العائلة التي تصلي معا، تبقى معا

(العائلةٌ التي تصلي معاً تبقى معا) حكمةٌ قديمةٌتبيّنُ أثرَ الدينِ في حياةِ الأسر وتحقيق استقرارهم وسعادتهم، لكن على مستوى الواقع نرى البون الشاسع بين الحكمة السابقة والتطبيق، فحالات الطلاق في ارتفاع مخيف، لا سيما بين الشباب في السنوات الأولى للزواج، ولا تستثنى من ذلك مَنْ يصلي و مَنْ لا يصلي، حيث سلّط تقريرٌ نشرته مجلة (الإيكونومست) البريطانية في 2021-2022 الضوء على ارتفاع عدد حالات الطلاق في منطقة الشرق الأوسط والدول العربية بدرجة ملحوظة عما كان عليه الوضع قبل نحو جيل مضى، بالرغم من أن المجتمعات العربية بطبيعتها مجتمعات متدينة، إلا أن تلك الحقيقة لم تساهم في التخفيف من وتيرة الطلاق، فالسعودية مثلاً سجلت 7 حالات طلاق كل ساعة بمعدل 162 حالة يوميًا بحسب احصائية الإيكونوميست، فالتمسك السطحي بالدين غير كافٍ لاستقامة الحياة وتحقيق السعادة المنشودة.

فهل الصلاة معاً كما تقول الحكمة تساعد في استقامة واستدامة الحياة الزوجية؟ وهل الذهاب لدور العبادة معا للصلاة كاف لاستقرار العائلة وصيانتها من التفكك والطلاق؟ سواء أجبنا بنعم أو لا، فنحن بحاجة إلى معايير واقعية  تحقق استدامة الزواج، فماذا يمكن أن تكون تلك المعايير لنقول بأن العائلة التي تصلي معا تبقى معاً؟

لنعرف المعايير علينا معرفة أسباب الطلاق أولا، فقد تفاوتت أسباب الطلاق في الكثير من الدراسات، مع اختلافها من بلدٍ لآخر بحسب الواقع الاجتماعي، فبعض هذه الأسباب تتعلق بالتوقعات الغير منطقية: تدخل الأهل، أسباب مادية، عدم التوافق وغياب التواصل..وغيرها من الأسباب التي يخضع الكثير منها لعدم وعي الشريكين بمسؤولية هذه العلاقة ومتطلباتها، فتحمل المسؤولية وبذل الجهد لتحسين واقع الزواج أساس لاستقراره، على أن يبذل  طرفا الشراكة الزوجية الجهد المطلوب في فهم بعضهما ومواجهة تحديات ومصاعب الحياة، فالهروب من المشاكل والانهزام السريع بقرار الانفصال لا يعني أكثر من أننا سنواجه ذات المشكلة في أي علاقة زوجية جديدة، فالهروب لا يجدي نفعاً مهما بدا لنا نجاحه على المستوى القريب، أو ربما توهمنا أننا نجونا من فخ علاقة زوجية ميتة، فحتماً هذا الطلاق سيكون ممر لفخ علاقة زوجية جديدة أقرب للفشل، فالطلاق دائماً هو الحل الأسهل، لكن مواجهة مشاكلنا بمسؤولية والاجتهاد في وضع الحلول وتقديم التضحيات التي تضمن بقاء الزواج، هي ما تستدعي الإرادة والشجاعة من قبل الطرفين، وإذا استطاع أي زوج التمسك بهما، فإنهما لن ينجحا فقط في حل مشاكلهما، بل سيزداد زواجهما نضجاً، وحبهما قوة، بل وستصبح نظرتهما للحياة أكثر عمقاً وتفاؤلا وتعاملهما مع الصعاب أكثر ثقة.

إذن نحن بحاجة إلى أشخاص مسؤولين ولديهم الاستعداد للتضحية كمعيار حقيقي لنجاح الزواج، ولذلك، نستطيع أن نؤكد جوهر ما تشير إليه الحكمة (العائلة التي تصلي معاً، تبقى معاً)، لكنها ليست الصلاة العبادية وإن كانت جوهرية وضرورية لإيجاد المعنى، وإنما هي صلاة أركانها بذل الجهد والكفاح والاستعداد لتحمل المسؤولية الكاملة وتقديم التضحيات من الطرفين، فالعائلة التي تصلي معا (تتحمل المسؤولية معا، تكافح معا، تضحي معاً) ستبقى معاً، والعائلة التي تخطط معا لنجاح بنائها الأسري وتجاوز تحدياتها، ستبقى معاً.

هذه الصلاة حقاً هي الكفيلة ببقاء الزواج وسعادة الزوجين معاً.

بقلم: م. أسماء رجب

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *