“كينتسوغي” التوصيل بالذهب

التقيت بزوجين من الأصدقاء فرّقتني عنهما الدنيا، وبقيت تردني أخبارهما من هنا وهناك، فعلمت أنهما تطلقا لفترة من الزمن ومن ثم عادا لبعضهما، وما لفتني هو السعادة والانشراح على وجهيهما، وتطرّقت أحاديثنا إلى التجربة التي مرّا بها، فأخبراني بأن انفصالهما كان بسبب خلافات أساسها سوء الفهم وقلّة الصبر وغياب الحكمة، فاكتشفنا فداحة ذلك القرار لتعود علاقتهما أقوى وأكثر صلابة من ذي قبل، كمن أضاع الجوهرة ثم استعادها، سيبذل جهده للحفاظ عليها.

سُعدت بحديثهما مما دفعني لأتجرّأ وأستفسر عن تفاصيل أكثر، فأكملا بحماس وكأنهما في برنامج على الهواء يتحدثان عن تجربة نجاح، فشرع كليهما باستعراض منظورهما لحياتهما الزوجية. 

هو: كنت أهرب من ضوضاء البيت، واعتقدت بالانفصال سأنعم بالسلام، وإذا بذلك الهدوء كأنه صمت القبور فصرت أتحسّر على زعيق الأطفال وضحكاتهم ووقع خطوات أقدامهم.  

هي: بالنسبة لي كان في البيت كالمتطفل بدون فائدة، وفي غيابه اكتشفت أنه (سوبرمان) لأنه يتحسس الأصوات المريبة القادمة من الخارج ويفتح أغطية المعلبات القاسية، كما أنه (بف باف) يقضي على الطفيليات كالصراصير والسحالي، فننام جميعنا في اطمئنان وأمان.

هو: لم أثق يوما في إدارتها المالية، ثم علمت أن شراء الهدايا وزيارة الصالونات ليس إسرافا، ومنعها الوجبات السريعة ليست تقتيرا، فكل ذلك يدخل في معادلة حسابية متوازنة لا يحققها إلا عقلها، كما أنها ليست محبة للشكوى، فكل ما تحتاجه أُذن تسمع وصدر يتسع.

هي: عرفت أن قضاءه الوقت مع أصدقائه في النادي الصحّي ليس هروبا من المسؤولية إنما تنفيسا عن التوتر والضغوط، فدائما كان السند لي والأخ الأكبر لأسرتي في الأفراح والأتراح والمواقف الصعبة.

وهكذا استمرا في توصيف الواقع السابق لانفصالهما الذي فتحا فيه بابا للشيطان كي ينفذ منه لتدمير سعادتهما واستقرارهما، ثم تكشّفت كل أسباب أخطاء الأفعال والأفهام بالحديث الهادئ والشفافية في الطرح، فاتضحت الصورة الجميلة التي تلوثت من غبار الشك والاتهام.  

في اليابان يستخدمون فن (كينتسوغي) لإصلاح الخزف المكسور، وهو ربط مناطق الكسر بالذهب أو الفضة أو البلاتين، وذلك بالاعتماد على فلسفة إصلاح الكسر هو جزء من تاريخ الجسم وليس عيبا يجب اخفاؤه.

كثير من العلاقات بأنواعها تمرّ بأوقات عصيبة، قد تؤدي بهم لاتخاذ قرار التخلّي عنها، ومن ثم تتم المراجعة والتقييم وترجيح كفة العودة لإكمال العلاقة المشروخة، ولكن كم منهم يعتمد على تقنية الإصلاح والترميم بالذهب بدلا من الصلصال؟

فالوصل بالمعادن النفيسة يضيف جمالا برّاقا ليذكّر بالانتصار على الصعاب والتحديات، كما هو حال الجنود المصابين في الحروب، فالندوب تكون وساما وتشريفا لا تشويها.

بقلم : م.صبا العصفور

مقالات ذات صلة

تشكيل الهوية الفطرية (الجنسية) للطفل، متى؟

يعتقد البعض عندما يسمع مصطلح الهوية الفطرية أو الجنسية، بمعنى أن يتعرف الطفل على هويته كذكر أو أنثى، بأنه إما أمر لا يجب التفكير فيه فهو تلقائي أو أنه أمر نحتاج أن نفكر فيه ونهتم بأمره عند اقتراب الطفل من سن البلوغ. ولكن الهويات بشكل عام هي قواعد أساسية لدى الإنسان، لذلك فإنها تتشكل منذ سنوات حياته الأولى.. فالهوية الجنسية تبدأ  بالتشكل في…

أمسية سينمائية تناقش جودة الهواء بعنوان “هوانا مو على هوانا” تقيمها البحرين النسائية

نظّمت جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية أمسية سينمائية بعنوان “هوانا مو على هوانا” بالتعاون مع الموسوعة البيئية Bnature وباستضافة كريمة من نادي البحرين للسينما، وذلك…

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *