والدّي وقيم الأمومة

 

ودعنا بيت الأسرة بعدما قررنا أنا وأخوتي الأعزاء بيعه بعد تردد طويل ونقاش بين مؤيد ومعارض، بعنا ذلك المحضن، وأحسسنا وكأن قطعة منا قد انفصلت عنا ماديا ولكنها لا زالت في قلوبنا معنويا، كان ذلك العش الدافئ يختزن شريطاً طويلاً من صور الحب والحنان والذكريات، كان ينبض بالحياة بفضل وجود الوالدين رحمهما الله، فكلما مررنا على تلك المنطقة شممنا رائحة أنفاسهما، وأحسسنا بكل لمسة حنان منهما، وكل ضحكة ولمسة وفي كل مناسبة سواء أيام الأعياد والأفراح أو حتى الأحزان، وخاصة أمي سيدة الأسرة وعمودها القائم، ومنبع الحنان، لقد علمتنا بسمو أخلاقها مع الأهل والجيران وسهرها الدائم ومعاناتها لخدمة الجميع دون استثناء أبجديات الإنسانية الراقية، وجسدت معنى الأمومة بكل معنى الكلمة، لم تكن أما لنا فحسب، بل كانت أما لزوجات أولادها، وأزواج بناتها، ومحضنا لأحفادها رغم كثرة انشغالاتها، كانت للجميع مثابة وأمنا وسلاما.

أسرتي العزيزة هي مصدر وجودي، وهي نبع إلهامي وتطوري، أمي وأبي هما المحضن الذي نشأت فيه ورضعت من أس القيم والمبادئ التي أتسلح بها في منعطفات حياتي.

نشأت من أب وأم لا يجيدان القراءة والكتابة بالمعنى المتصالح عليه ولكنهما يجيدان أبجديات الحياة وقراءة الواقع وصفحات الوجوه وما تنطوي عليه النفوس ويتفننان في كتابة سطور الحياة، أبوان اعتنقا مبادئ وقيم الإنسانية الأصيلة فنذرا نفسيهما لتربية تسعة من الأبناء والبنات، وامتلكا قلبا كبيرا احتضن كل من يلجأ اليهما ممن ظلمته الحياة أو احتاج لسند يتكئ عليه، فكان بيتهما المتواضع ملجأ بحق كما أطلقنا عليه ونحن نتذمر غيرة ممن يتقاسمنا حنان وحضن والدينا.

أبي وأمي جسدا بشكل فطري المعنى الحقيقي للأمومة، وأنها ليست مقتصرة على ولادة إنسان من رحم أمه وانما هي حب ورعاية وعطاء واحتضان لكل من يحتاجهما ويلجأ إليهما من القريب والبعيد، ولكل من احتاج لقلب حنون وبيت دافئ وسند متين، فقد كان والداي مأوى لكل فرد من الأهل عندما تحدث مشكلة ما مادية أو أسرية، أو عندما تعصف بهم الحياة فلا يجدون الكفيل، كان يئمهما كل ذي حاجة، ويحتضنانه بكل حب وأريحية في بيتنا رغم كثرة عددنا كأخوة وأخوات، إلا أنه كما يقال “لا يضيق مجلس بمتحابين”، فإنها قصة معظم الأبناء مع والديهم.

بقلم : وجيهة عباس

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *