حب نفسك أولاً

“حب نفسك أولاً”، “افعل من أجل نفسك كل شيء”، “لست مجبراً على إرضاء أحد”، “لا تجهد نفسك من أجل الآخرين” وغيرها الكثير من العبارات (الملهمة) المترجمة من اللغة الإنجليزية، وغالباً ما يستخدمها مدربو التنمية البشرية لتعزيز الثقة بالنفس والخروج من دائرة الإحباط، ولكن هل حقاً هذه الكلمات ملهمة وتعزز الثقة أم شيء آخر؟

لنأخذ إحدى تلك العبارات ونحللها موضوعياً، فما الأثر الذي يمكن أن تحدثه جملة مثل “لا أحد يستحق التضحية”؟

باختصار هي تركز على محورية الأنا عند الإنسان، فيسعى لتحقيق أكبر المكاسب على المستوى الشخصي ولو تضمنت نيّته (وأسرتي أيضاً)، ولكن حديث النفس يبطن حواراً معاكساً تماماً، فالتضحية بالوقت والجهد وبعض الآمال والأهداف من أجل الآخرين مستحيلة، فلا أحد يستحق منه هذه التضحيات، فلكل منهم أي أفراد أسرته ومن يهتم لأجلهم له حياته ومستقبله ولن يبقى معه إلا ما حققه لنفسه، فهو من يحتل المرتبة الأولى.

وبمقارنة مجتمعنا مع المجتمعات الغربية التي بتنا نستورد منها حتى القيم والقناعات وأساليب التربية، ما الذي نشاهده؟ كم نسبة الآباء تحت رعاية الأبناء؟ وكم عدد دور رعاية المسنين؟ وكم نسبة المشردين وأطفال الشوارع؟ وكم فقير لا يجد قوت يومه؟ 

للإنصاف، مجتمعاتنا بشكل عام تنتهج مبدأ التكافل الاجتماعي بدون مؤسسات رسمية لإدارتها، فنادراً ما يبقى جار بدون وجبة طعام، وقلة من الأبناء من يترك والديه في دار المسنين، ومن يقوم بذلك العمل يناله الاستهجان من الأهل والمعارف، وهناك المئات ممن يكفل الأيتام بالسرّ، وغيرها من الممارسات التي تعتبر قربة لله.

لكن مع الأسف عندما سعينا للتنمية والتطوير، بحثنا عنهما في الغرب وتركنا الاستفادة من موروثنا الديني والثقافي والقيمي، ونسينا سنة الله في الكون كما في قوله تعالى “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ“، وهذه الآية تؤكد بأن جهاد الإنسان وسعيه في الحياة يتحقق ببرّه بوالديه وتربيته لأبناءٍ صالحين ونصرة أخيه على الحق ولو بذل في سبيله التضحية بأهدافه الخاصة، فما عند الله أبقى. ويعدنا الله سبحانه وتعالى في الآية الكريمة “وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ”، بأن عمل الخير يعود علينا أولاً قبل الآخر، فالصلاة هي إقامة الصلة بالله والأرحام والناس، والزكاة بنشر المال والعلم والمعرفة، وهي معادلة تحقق الصلاح والنماء للفرد والمجتمع، بأن “تحب نفسك أولاً” بالمفهوم القيمي وليس الأناني.

بقلم م. صبا العصفور

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *