نساء مغمورات

أجلس الآن وأنا أكتب هذا المقال أمام شاشة الكمبيوتر المحمول، تحت جهاز التكييف آمنة مطمئنة، لا أشعر بقلق أو تهديد بفضل الله، حققتُ نجاحات عديدة في حياتي، أسرتي مستقرة وأستلم راتبا تقاعديا مجزيا نهاية كل شهر، بينما هناك المئات بل الآلاف من النساء في نفس هذه اللحظة ممن لهنّ نفس قدراتي وإمكاناتي وأكثر يبكين ألما، حيث شاءت الأقدار أن تكون أقصى أحلامهنّ هو إطعام أنفسهنّ وأسرهنّ وتوفير أدنى مقومات الحياة والأمان لهم.


أغلبنا لا يتساءل “لماذا أنا” في موارد الرزق والنعمة، ولكن نتساءل كثيرا عند حرمانها، وإن زهدنا بنعمة فلا نفقدها لكثرة ما تحيط بنا منها.


تجلس العديد من النساء ذوات أنامل حريرية ومهارات فائقة خلف مكنات الخياطة في مشاغل خالية من إجراءات السلامة، لتفصيل أرقى وأجمل الفساتين التي تحمل العلامات التجارية العالمية تلك التي تباع بآلاف الدولارات، مقابل أجور زهيدة.


ونزحت المئات من المتعلمات وحملة الشهادات من مدارسها وجامعاتها وأعمالها وبيوتها إلى مخيمات وملاجئ، لتعاني من الجوع والخوف والتهديد نتيجة حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.


وأُجبرت العديد من الفتيات القاصرات على وأد أحلامهن وطموحهن، وقبلن الزواج من رجال لا يعرفونهم وارتحلن إلى مصير مجهول، فقط لتقليل العِبْء على أسرهن بسبب شظف العيش.


أتذكر منذ سنوات خلت استعانت أختي بعاملة آسيوية لإنجاز أعمالها المنزلية، ومن قبيل الصدفة اكتشفت موهبتها الفنية الاستثنائية في الرسم، وبدلا من استخدام العاملة فرشاة الألوان لتظهر إبداعاتها استبدلتها بفرشاة تنظيف الأرضيات والأسطح.


تَفِد لدولنا الخليجية سنويا عاملات من دول شرق آسيا وأفريقيا، ورغم شعورهن بالامتنان لحصولهن على وظائف تعتبر لائقة نوعا ما بدلا من البطالة، إلا أنه لم يخطر ببالنا ما هي الأحلام التي كانت تراود مخيلتهنّ في طفولتهنّ.


في إحدى رحلاتي بالطائرة التقيت بشابة جميلة بصحبة طفلتها تظهر عليها علامات الترف، وعندما عَلِمَت بحضوري لمؤتمر في الدولة التي نتجه لها لمعت عيناها وقالت: ليتني أستطيع الحضور، ولم تترك لي مجالا للتساؤل واسترسلت قائلة: لم أنل إلا مقدارا يسيرا من التعليم المدرسي، حيث تجبرنا قبيلتنا على الزواج في سن مبكرة.


ليس الفقر والحرب فقط من أسباب حرمان النساء من رسم حياتهنّ بالطريقة التي يرغبن، فهناك أسباب أخرى عديدة قد نختص في مجتمعاتنا الشرقية ببعضها كالعادات والتقاليد والموروث الاجتماعي والتفسير الخاطئ للدين، ولكننا نشترك مع بقية دول العالم من سيطرة العقلية الذكورية وهيمنة الرجل وسلطته.
نساء مغمورات نجدهنّ على هامش الحياة يكافحن للعيش بكرامة، كل ما يعنيهن هو نظرة التقدير والاحترام لما يقمن به، فهن قد ضحّين بموهبة وبيت وطفل وحلم لتحقيق آمال آخرين، فربما نحتاج لنظرة رحمة لأحوالهنّ وكلمة شكر لأدوارهنَ ودعاء الحمد لرفاهيتنا

أ.صبا العصفور

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *