مقال بعنوان (أكبر من طعنة)

امرأة بريئة تُقتل في وضح النهار وأمام أطفالها، وتُرمى جثّة هامدة، لتشهد كم من الجثث قد رميت على قارعة دروب الغفلة عن أعتى مشاكلنا وأزماتنا، في بلاد تضع القانون وتحترمه بلا حدّ، بل وتؤمن بالعدالة وتستنّ بها بلا قيد ولا حاجز، لنتساءل اليوم ما الذي يحدث؟ ما الذي يجري هذا النزيف أيّان ولد؟ وكيف ومتى؟ ولماذا؟

امرأة تقتل وقد استغاثت قبلها، وبدويّ أسمعته من كان في يده حمايتها، قالت: سأُقتل أيها الناس إن لم تحمني بلادي!، وسأُقبر إن لم تنجدني يد القضاء وينصفني صوت الإنصاف الذي ناديته ولجأت إليه بما أعرف، بوسائلي المعهودة كامرأة تريد أن تحيا بأمان، وتُحترم إرادتها بأن تعيش باستقامة وشرف!

اليوم القضية هي أكبر من طعن امرأة وقتلها مع سبق الإصرار، لنكتشف مع نزيف دمها كم من طعنة وُجّهت قبلها لقيم الشرف والفضيلة والعفاف والدين والعرف النقي.

بل وجهت لسيادة القانون وحاكميّة القضاء ونزاهة الإجراءات التي وضعت لسلامة الحقوق وأصحابها وأمانهم وسلامهم.

إن حقّ الضحية اليوم ليس في مقاضاة المجرم وحسب، بل في تفتيت حاضنة الجريمة وبعثرة أجزاءها لتلحق بمنابعها التي انبثقت منها، لنرى عبر ذلك كله بعين المتفحّص، أن الجريمة ما هي إلاّ ثمرة مُرّة واحدة من شجرة كبيرة بها ثمار أشدّ مرارة ربما من الجريمة نفسها، لنعطي أنفسنا الحقّ أن نبقى في عجب وحيرة.

رجل يلاحق امرأة متزوجة، في العلن ودون خجل وبإصرار بلا خشية من أي رادع، ما هذا؟ وكيف هذا؟

نعم إننا نحتاج اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى لنعيد شحن الفضيلة، تلك التي تئد الشر قبل أن يولد وتفرش بساط القيم من جديد بعد أن طويت أطرافها على حين غرّة، في زمانٍ ويا للأسف تخلخلت فيه المعاني، وأصبحت المثل البيضاء كجمرة ملتهبة لا يقوى على مسكها إلا مؤمنًا مريدًا لفضيلته وإنسانيته.

نعم نحتاج مراجعة كبرى لوضع مجتمع كامل لنرى ماذا فقدنا وأين فقدنا وكيف فقدنا؟

هل فقدنا حرمة البيوت أم فقدنا حرمة القيم، أم فقدنا حرمة الإرادة حين تتجه لأن تبقى على استقامتها ما بقيت مهما كان الثمن، أم فقدنا هيبة القانون والقضاء وتلاشت صولة العدالة حين تنقض على أفراس الظلم لتنهيه؟

وأخيرًا نقول: سلامٌ وألف سلامٍ على الضحيّة المقتولة (فرح)، تلك التي مازجت الحزن بأقسى وجوهه، قتيلة ذهبت، ورحلت شاهدة على أقسى زمان تآكلت فيه كرامة الإنسان وغُصبت فيه فضيلته.

نعيمة رجب

عضو جمعية البحرين النسائية – للتنمية الإنسانية

مقالات ذات صلة

حملة الجنسية

المقدمة : تمثل قضية حق المواطنة للمرأة البحرينية في منح الجنسية لأبنائها أحد القضايا الاجتماعية و الإنسانية المهمة حيث يترتب عليها جملة من النتائج السلبية…

ابنتك الضحية التالية

منذ ثمانينات القرن الماضي بذلت الجمعيات النسائية جهودا مضنية لاستصدار “قانون الأسرة” لتنظيم معاملات الزواج والطلاق والحضانة والنفقة وغيرها بما يضمن حقوق جميع الأطراف بدون…