شهيدات في مقبرة زواج الصغيرات
ورد بلاغ عبر الخط الساخن للمشورة الأسرية من طفلة عمرها خمسة عشر عاماً تشكو من رغبة أهلها في تزويجها بالإجبار من رجل يكبرها باثني عشر عاماً وهي ترفض لرغبتها في إكمال دراستها، وعندما أجبرت الطفلة على التوقيع انهارت وامتنعت عن الطعام، وطلب الزوج مقابل عدم إتمام الزواج مبلغاً مادياً كبيراً مما دفع الأسرة إلى الذهاب لمحامٍ ليفاجأ بأن الزواج عرفي وأن ه سيتحول لزواج شرعي بعد بلوغها سن السادسة عشر سنة، وهنا تدخلت جهة حكومية للاستعانة بالقوى والقيادات لفض الاشتباك، وعادت الفتاة لمدرستها، هذه حادثة واقعية حدثت في جمهورية مصر العربية.
نجت هذه الطفلة، ولكن الطفلة إلهام مهدي – 13 عاماً- لم تنجُ من مثل هذه الجريمة، فبعد زواجها بثلاثة أيام أعلن عن وفاتها بسبب تمزق كامل في الأعضاء التناسلية ونزيف مميت حسب التقرير الطبي الصادر عن إحدى مستشفيات اليمن.
زواج الصغيرات خطرٌ يحدق بكثير من المجتمعات العربية، فتيات أُجبرن على مفارقة طفولتهن باكراً إلى منزل زوج يكبرهن بكثير لا يعرفن من الحياة غير الدراسة واللعب مع الأصحاب، وهذا الزواج المبكر يعرض تلك الفتيات الصغيرات إلى تدهور شديد في الحالة النفسية بسبب الانتقال المباشر من حالة الطفولة إلى حالة الأنوثة الكاملة ناهيك عن الآثار الجسدية كحالات الضرب التي يتعرضن لها من قبل الأزواج وغيرها من الآثار التي لا يتصور الأبوان أنهما سيزفان طفلتهما الصغيرة إليها.
هناك عدة دوافع تجعل الأسرة تجبر طفلتها على الزواج في سنٍ صغيرة، فظاهرة زواج القاصرات من الظواهر المرتبطة ارتباطا وثيقاً بالظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة التي تعيشها الأسر الفقيرة خاصة في القرى، وهذه الظروف تلعب دوراً مباشرا في إضعاف العواطف الأسرية بشكل عام، وتساهم في دفع الآباء إلى بيع إحدى بناتهم بمقابل مادي! والحقيقة أن المجتمعات العربية تعاني من الفوضى في الأواصر الاجتماعية ولابدّ من صحوة شاملة حتى تعاد الأمور إلى نصابها.
أضف إلى هذه الدوافع هؤلاء الرجال الذين يمتنعون عن الزواج بالراشدة ويلجئون إلى الزواج بالصغيرة ظناً منهم أنهم يستطيعون السيطرة عليها وتربيتها على حسب هواهم بعكس الكبيرة التي لن تقبل أن يملي عليها زوجها كل ما يريد ومنها العلاقات الزوجية، هؤلاء يصنفهم الخبراء بأنهم شاذون جنسياً ويتجهون إلى الاستغلال الجنسي للصغيرات مقابل مبالغ مالية.
السؤال الذي يطرح نفسه هل وضع الآباء في اعتبارهم أن أي عنف تتعرض له “العروس الصغيرة” -والتي هي الزوجة والأم وربة البيت- وأي سوء تواجهه أو حتى يصدر منها تعامل فيه معاملة الأحداث استناداً إلى اتفاقية حقوق الطفل التي تعرّف الطفل أنه كل إنسان لم يتجاوز سن الثامنة عشرة ؟!! مما يجعلنا ندرك بأن زواج الصغيرات مستنكر للغاية وفيه هضم لحقوق الطفل وهذا ما لا يقبله لا دين ولا عرف، لذا يأتي تحديد الدول لسن زواج مناسب للطرفين تحقيقاً لصلاح المجتمع ودرءاً للمفاسد مع التأكيد على أهمية الأخذ بموافقة العروس التي تكون بكامل رشدها بالطبع والتي قد تجاوزت سن الطفولة فيكون تحديد سن الزواج ضمان لحقوقها، ويصبح الزواج فرصة ومكسبا للزوجة لا مطباً تقع فيه وتخسر نفسها وكينونتها، ومثل هذه القوانين تدفع نحو نهوض المرأة والمجتمع بشكل عام.
وأخيراً نختم بما ما صرحت به منظمة منتدى الشقائق العربي لحقوق الإنسان في اليمن “أن الطفلة إلهام هي شهيدة العبث بأرواح الأطفال ونموذج صارخ لما يشرّعه دعاة عدم تحديد سن الزواج من قتل يطال الطفلات الصغيرات، هذه الطفلة وغيرها تحولت إلى رمز يؤكد بشاعة الجريمة والمخاطر التي تنتج من زواج القاصرات اللاتي لا يدركن معنى الزواج ولا يعرفن أدوارهن أو حقوقهن القانونية ناهيك عن ضعف بنيتهن وإنجابهن أطفالا مشوهين ومعاقين ذهنيا لا تستطعن تربيتهم” .
لذا أصبح لزاماً وضع قوانين وتشريعات صارمة للحدّ من ظاهرة زواج القاصرات في المجتمعات العربية؛ لأنه بدون هذه القوانين والتشريعات لن يكون هناك فرق إن دفنا تلك العروس الصغيرة تحت التراب أم عاشت مقطوعة الأنفاس طوال حياتها فوق التراب.
حميدة فروتن
جمعية البحرين النسائية-للتنمية الإنسانية
استجابات