الاعلام البيئي أخرس .. فمتى سينطق؟

تقول الأسطورة “بعد قطع الشجرة الأخيرة، وتسميم النهر الأخير، ونفوق السمكة الأخيرة، عندئذ فقط سنعي أننا لا نستطيع أن نأكل المال”، هذه الأسطورة التي تعود إلى قبيلة هندية من شمال أميركا، وهي في نفس الوقت شعار منظمة السلام الأخضر التي تُعنى بشؤون البيئة، تجعلنا نلتفت قليلاً إلى الخطر المحدق بنا وبالتهديد الذي يحاصر المكان الذي نعيش فيه.

في الواقع طبيعة المشاكل البيئية لا تُشكّل سبقاً صحفياً إلا إذا تعلقت بكارثة بيئية أو بأضرار فادحة ناتجة عن التلوث، لأنه لا يعد لدى الكثيرين خبراً ذات قيمة ويبقى في مؤخرة سلسلة اهتمامات المجتمع وينسحب الأمر نفسه على اهتمامات أصحاب القرار، في حين إن تقرير التنمية الإنسانية يدعو لوضع البيئة في سلم الأولويات ذلك لأن حماية البيئة ما زالت تحتل مرتبة متدنية في أجندات الحكومات العربية والجهل بقيمة البيئة له أثار سلبية على الإنسان نفسه، سواء علم هذه الحقيقة أم جهلها ، وهنا يأتي دور الإعلام البيئي ليؤدي دوره الكبير من خلال التعريف بأهمية قضايا البيئة والدفع بها باتجاه اتخاذ الإجراءات والقرارات الملزمة للجميع سواء المواطنين أم أصحاب الشركات والمعامل للحفاظ على البيئة.

يعتبر الإعلام البيئي أحد المقوّمات الأساسية في الحفاظ على أهمية البيئة حيث يساهم في إيجاد الوعي البيئي واكتساب المعرفة بدور البيئة، يتوقف هذا الدور على استعداد الجمهور نفسه للتفاعل معها وتقبلها كقيمة تدعو لحماية البيئة وللتخلي عن السلوكيات الضارة بها.‏

هناك عدة آليات تعزز دور الإعلام البيئي الذي من شأنه أن يكون الناطق الرسمي باسم الأرض من أجل أن يتنامى لدى الناس الوعي البيئي، وذلك من خلال عدة وسائل وأساليب أهمها ضرورة إيجاد إعلام بيئي متخصص يستند إلى العلم والمعرفة والمعلومات، ووجود مناهج دراسية للإعلام البيئي، سواء في الجامعات أو في دورات وورش عمل ترعاها الجهات المعنية بشؤون البيئة، كذلك التشجيع برصد جائزة بيئية للإعلاميين في هذا المجال، أضف إلى ذلك أهمية تعاون جميع الوزارات والمؤسسات والهيئات في معالجة المشكلات البيئية، وبالإمكان الاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال بالإضافة إلى ضرورة وجود لجنة عليا للإعلام البيئي لرسم السياسات والخطط والبرامج وتنظيم حملات إعلامية بيئية للمواضيع الهامة الطارئة أو ذات الأولوية بالتعاون مع الجهات المعنية، وأخيراً وليس آخراً المشاركة في المنتديات والمؤتمرات الدولية في مجال البيئة والاستفادة من النقاشات والتوصيات التي تنتج عنها.

لقد عقدت سابقًا العديد من المنتديات والمؤتمرات والندوات وورش العمل والدورات المعنية بالبيئة، كما عقدت جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية عدة ملتقيات تناولت فيها ما جاء في تقرير التنمية الإنسانية على مدى عدة سنوات، توجت بالملتقى العربي الخامس للتنمية الإنسانية الذي أقيم مؤخراً تحت شعار خطوات على طريق العدالة والسلام والتنمية المستدامة،  حيث تم استعراض الوضع البيئي الراهن والمخاطر المرتقبة على مستوى كوكب الأرض، والمساهمة في وضع الحلول والبرامج العملية التي تحدّ من الأضرار الواقعة عليها وتساهم في الحدّ من التغيرات المناخية ومعالجة الآثار المترتبة على تلك التغييرات.

الإعلام البيئي اختار أن يكون اخرساً مع الأسف ولو أنه نطق بالواقع ستكون على عاتقه مهمة أن يباشر العمل على  جذب الناس و مؤسسات المجتمع المدني وأصحاب القرار والمشرّعين ودفعهم نحو التغيير الجذري من أجل أن يساهم الكل في عملية التنمية المستدامة، فحري بنا نحن بالدرجة الأولى أن نُمثّل الإعلام البيئي لنحقق أعلى درجات الوعي البيئي عن طريق غرس الشعور بالانتماء الصادق للبيئة فى أنفسنا والتركيز على الاحتياجات الروحية والمعنويّة الكفيلة بتحقيق السلام الداخلي الذي بدوره يدفعنا لمزيد من التفاعل مع البيئة من حولنا، عندها فقط نساهم جميعنا في رسم لوحة الطبيعة من حولنا وننتهي بقول الرسول الكريم (ص): (إن قامت على أحدكم القيامة وفي يده فسيلة فليغرسها‏)‏.

حميدة فروتن

جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية

مقالات ذات صلة

حوار مع الدكتورة/ وجيهة صادق البحارنة – رئيسة جمعية البحرين النسائية – للتنمية الإنسانية

كيف نشأت فكرة تأسيس جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية ؟وإلى ما يرجع التميز في برامج وأنشطة الجمعية؟ جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية منظمة استشارية في المجلس الاقتصادي…

أسمـاء رجـب: (نزاعات الدول الإسلامية وانهيار السـلام المجتمعي يخدمان الآخـر)

المنامة: حمدي عبد العزيز الانخفاض في مؤشر السلام العالمي وتوسع جغرافيا النزاعات في العالم الإسلامي، دفع جمعية البحرين النسائية والمؤسسة البحرينية للمصالحة والحوار الوطني، إلى…

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *