رجل القش

رجل القش أو خيال الماتة أو الفزاعة أو البَوْ، هي مسميات مختلفة لدمية يتم صناعتها من القش أو أي مادة أخرى على شكل إنسان وهمي توضع في وسط الحقول ليستخدمها المزارعون لإرعاب الطيور من مهاجمة المزروعات وأكلها أو إتلافها، وجاءت فكرة تلك الدمية من العصور الوسطى حيث كان يستعين بها الفرسان كهدف لتوجيه الضربات والتدريب على القتال.

ومع مرور الوقت بدأ استخدام “رجل القش” بشكل مجازي للإنسان الضعيف الذي يتم هزيمته بسهولة، ثم أصبح وصفا لمغالطة منطقية لتشويه حجة الخصم ومحاربة النسخة المشوهة منه بدلا من تفنيد الحجة الحقيقية، وهذه المغالطة تستخدم على نطاق واسع بين السياسيين للسيطرة على السلطة، أو بين التجار لكسب السوق وغيرهم من أصحاب المصالح.

تفاجأت يوما من مهاجمة صديقتي لزميلتها عندما أخبرتها بنجاحها في إنزال وزنها واستعادة صحتها بعد اتباعها لحمية غذائية وجدتها على وسائل التوصل، فإذا بتلك الصديقة تتوتر وتوجّه الانتقادات للوصفات الافتراضية بأنها تفتقر إلى التجربة والدليل العلمي أو من تبعاتها السلبية على الصحة، الأمر الذي أدّى لظهور علامات الإحباط على الزميلة وكأنها ارتكبت جريمة في حقّ نفسها.

ولم يكن غائبا عني سبب موقف صديقتي العدائي، لعلمي بفشلها المستمر في اتباع أي نظام غذائي أو تغيير برنامجها اليومي لإنقاص وزنها والعناية بصحتها، فما كان منها إلاّ صناعة هدف غير حقيقي لتشعر بنجاح أو تفوق مؤقت.

وكثيرا ما نسمع الهمز واللّمز بين المدعوات على زينة العروس في حفلات الزفاف، فتلك تنتقد شعرها وأخرى مكياجها غيرةً من حُسنها، وكذلك في مواقع العمل حيث يتهم زميل زميله بعدم استحقاقه للترقية لعلاقته بالمسؤول لا لكفاءته، أو ازدراء طالبة لمجهود رفيقتها والتقليل من جهدها حسدا من تفوقها وغيرها من الأمثلة.

ومغالطة رجل القش شائعة بين الأقران والأصدقاء والفنانين واللاعبين والمشاهير بل وحتى الأطفال، وغالبا كانت تتم على استحياء وفي الخفاء، ولكنها اليوم لم تعد مستهجنة ودخلت في حيّز التطبيع، وللأسف امتدت لتكون حروب علنية على أعداء وهميين عبر وسائل التواصل الاجتماعي بدون أي رادع أخلاقي.

فهل “رجل القش” صار ظاهرة عادية ولابد من التأقلم معها في محيطنا؟ أم نحتاج مراجعة مع أنفسنا؟

بقلم : م.صبا العصفور

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *