التسامح: حين يتحول الألم إلى هدية إنسانية

في قصة مؤثرة تقف عندها الكلمات عاجزة عن الوصف، اتخذت امرأة أمريكية مسلمة في قاعة المحكمة قراراً صدمت به الجميع، وجعلت القاضي والحضور يجهشون بالبكاء، إذ قررت مسامحة قاتل ابنها، بل وعرضت عليه وعلى عائلته المساعدة لكي يغيّر حياته إلى الأفضل.
لقد استوقفتني هذه الحادثة الإنسانية الجميلة، وتركت في نفسي أثراً لا يُنسى، وجعلتني أتساءل: ما الذي يدفع بعض الأشخاص إلى الرغبة في الانتقام بعد التعرّض للأذى، في حين يتجاوز آخرون الأمر ويقرّرون التسامح؟
في عالم تتشابك فيه العلاقات الإنسانية، يبرز مفهوم التسامح كقيمة جوهرية دعت إليها جميع الأديان السماوية، ليكون ركيزة أساسية لعلاقات إنسانية سوية وقوية، قائمة على كرامة النفس الإنسانية وحقها في الحياة بأمن وسلام. فالتسامح ليس مجرد كلمة، بل هو فعل نابع من قوة داخلية، ترتكز على إدراك حقيقة أنَّ البشر بطبيعتهم خطاؤون، وأن الكمال لله وحده. فقدرتك على التنازل عن حقك عن طيب خاطر وسعة صدر، لا يعكس ضعفاً، بل يعكس قمّة القوة في التحكّم بالذات. فعندما تسامح، فإنك لا تمنح الحرية للآخر فحسب، بل تحرّر نفسك من أعباء الغضب والكراهية التي قد تثقل كاهلك، وتستهلك طاقتك، وتعيق تقدّمك، فتحوّل الألم العميق إلى قوة تدفعك للتغيير والسمو، لتمنح نفسك سلاماً داخلياً لا يُقدّر بثمن.
ماذا لو طبقنا التسامح في مواقفنا اليومية؟ تخيلوا معي الأثر الإيجابي الذي سنلمسه! ففي الأسرة مثلاً، ماذا لو تغاضى الزوجان عن كلمة قيلت في لحظة غضب وانفعال؟ وفي بيئة العمل أو الدراسة، ماذا لو تسامحنا مع زميل ارتكب خطأ غير مقصود، سواء كان سهواً في مهمة أو زلّة لسان؟ ماذا لو نمنح الآخر فرصة لتصحيح أخطائه، أو التعبير عن أفكاره المناقضة لأفكارنا، ونتعامل معه برفق واحترام مهما بدت تلك الأفكار مخالفة لما نراه ونؤمن به؟ إن هذه السلوكيات كفيلة بتنظيم العلاقة بين الأفراد وتعزيز قيم الأمن والاستقرار في المجتمع. وختاماً، فليكن التسامح بوابتك نحو قلوب الآخرين، ونوراً يضيء دربك بوعي نحو الحرية الحقيقية، حرية الروح من أسر التحامل، وحرية المجتمع من قيود التعصّب. وتذكر دائماً أن التسامح يبدأ بخطوات بسيطة؛ ففي كل يوم هناك فرصة صغيرة لممارسته، ابتسامة عابرة لشخص أخطأ، أو كلمة طيبة بدلاً من الرد القاسي، أو مدّ يد العون لمن أساء إليك. هذه اللفتات اليومية هي التي تشكّل الفارق الحقيقي لرقّينا وسموّنا الإنساني.
بقلم : أ.شفيقة زيد
استجابات