شكراً أبي.. مع التحية

في دراسة لهارفارد بزنس ريفيو (Havard Business Review) في أمريكا وكندا تتبعت تفشي السلوك غير الأخلاقي في بيئة العمل، أنواعه، أسبابه، والتكاليف المترتبة عليه وسبل العلاج، حيثُ أجروا استطلاعًا شمل 800 شخصاً (مدراء وموظفين) ممن تم التعامل معهم بسلوك غير أخلاقي في بيئة العمل في سبعةِ عشر قطاعًا. أظهرت النتائج أنّ 84% من هذه الفئة قلّلوا عمداً من جهودهم، و80% أضاعوا من وقت عملهم وانخفضت انتاجيتهم، بينما 25% اعترفوا أنهم قاموا بتنفيس إحباطهم على العملاء، بالإضافة لنتائج أخرى مشابهة.
ونظراً للتكاليف المادية المترتبة لهذه الأرقام، بدأت المؤسسات تهتم بالتدريب على القيادة الأخلاقية، ولكن هل التدريب وحده سيحل المشكلة؟ بالطبع سيساهم في الحل، ولكن يحتاج إلى بذل جهد مضاعف لممارسة ” القيادة الأخلاقية” ، إذ في مقدمة متطلباتها تأتي ” ثقافة الأخلاق” والتي تُكتسب على مر السنين من الأسرة، المدرسة، المجتمع، الدين، والمثل الأعلى المتمثل في الوالدين والمربيين.
في حادثة ملهمة ينقل أحدهم عن أبيه: ” كان أبي إذا وجد مصباح غرفتي مضاءً بلا داعٍ يقول: لِمَ الهدر في الكهرباء؟ وإذا وجد الصنبور يقطر ماءً يقول لِمَ لا تُحكِم غلقه؟ وهكذا كانت حياتي معه، تعليمات متكررة، إلى أن جاء اليوم الذي سأجري فيه المقابلة الشخصية الأولى في حياتي للحصول على وظيفة في إحدى الشركات الكبرى، فقال لي قبل الخروج: أريدك أن تكون إيجابيًا واثقًا من نفسك، تقبلت النصيحة على مضض ومضيت” . ذهب الابن للمقابلة فوجد باب الشركة به خلل فأصلحه، ثم رأى المياه تُغرق الممر فأغلق الصنبور، وأطفأ المصابيح التي كانت مضاءة بلا داعٍ. عندما وصل إلى غرفة الانتظار للمقابلة، تفاجأ بأن كل المتقدمين يخرجون بسرعة، بينما عند دخوله سألوه مباشرة: متى يريد استلام الوظيفة، لأنه قد نجح في الاختبار العملي الذي أظهر فيه إيجابيته وإحساسه بالمسئولية! إذ كان هو الوحيد الذي أصلح الأعطال الموضوعة بقصد في طريق المتقدمين للوظيفة.
هذا الشاب اجتاز الاختبار العملي للشركة بيسر بفضل ” ثقافة الأخلاق” التي غرسها فيه أبيه رغم تذمّر الابن حينها.
لذا تُعدُّ الأسرة هي المحضن الأول للأبناء، فيها يستوي عودهم الطريّ وينمو. وبما أن مجتمعاتنا متشربة بثقافة الأخلاق المستقاة من القرآن الكريم كثوابت قيمية، وسيرة الرسول (ص)، فهذا ييسّر لنا تقديم نماذج حية لغرس القيم، وإذا أدركت الأسرة أهمية هذا الدور ستشارك حتماً في بناء قادة أخلاقيين كمساهمة ثمينة لتأسيس مجتمع يتمتع بجمال الأخلاق.
بقلم:أ.سعاد الزيرة
استجابات