لنتعلم من شجرة البامبو

شيئاً ما في شجرة البامبو يحدثنا نحن البشر،  نحن الذين ألفنا اليأس والإحباط ونحن نرى كل ما يدور حولنا يناقض أمنياتنا ويُصيّر أحلامنا غباراً تذروه الرياح . شجرة البامبو ومن يزرعها نموذج، في معنى الصبر وروح الإستمرار والمثابرة، ومثال حي في الطاقة التي يبعثها الأمل في المستقبل، رغم صعوبة الواقع وتعارضه مع الأماني والطموح، فالمرأة الصينية التي تزرع البامبو، تلقي البذرة في الرمال وتبقى تتعهدها وتسقيها كل يوم وتسمّدها رغم أنها لا ترى شيئاً ولن ترى ثمرة لجهودها، لا في العام الأول ولا في الثاني ولا حتى في الثالث والرابع، ولكن حين تدخل العام الخامس، تنبت شجرتها بسرعة رهيبة، حتى يصل إرتفاعها إلى ثمانين قدما.

تلك رسالة تبعثها لنا الطبيعة التي خلقها الله، أنه مهما استعصت أمنياتنا على التحقق ومهما غابت عن الأفق بشائر تحقيق آمالنا ومهما كان الطريق شاقاً وطويل، إلاّ أنه لابد أن نصل في النهاية إلى الرؤية التي كافحنا من أجلها والهدف الذي كابدنا وبذلنا في سبيله الكثير. ونظرة واحدة إلى حياة أي صاحب قضية أو مطلب أو اختراع أو مشروع للتغيير و التطوير نرى أنه مرّ بطور هذه الشجرة ومن يزرعها، من حيث أنه كانت البداية صعبة دون أي نتيجة في الأفق ولكن بعد حين تأتي النجاحات وتتوالى.

ولا مثال هنا أصدق من المرأة حيث كانت أوربا قبل ألف عام تناقش في كون المرأة هل هي إنسان أم لا! بينما هي الآن تنافس على رئاسة دول، وقد اجتازت سنين طويلة من العقبات الكأداء وطوت بنضالها مراحل مريرة وغاية في الصعوبة، ولم يظن البعض أبداً أن ذلك المخلوق المسمى بالمرأة خلق لغير الإنجاب وخدمة الرجل، ولكن كانت هي على قدر المسؤلية وتجاوزت بطموحها واقعها وزمنها، وسعت حثيثاً دون كلل لبلوغ ما كان يعتقد حينها استهدافاً للنجوم المستحيلة، حتى وصلت لما تريد وتطمح وعليها إكمال المسيرة، فما تحقق لحد الآن يجب أن يعطيها ثقة أنها ستصل للمزيد، فقط عليها مواصلة الطريق.

إن الحقيقة التي ربما نجهلها جميعاً أن الغاية تبدأ في التحقق والتغيير يبدأ في الحدوث عند أول جهد نبذله وأول فعل نقوم به، ولكن لا نرى ذلك عياناً ولا يظهر على أرض الواقع ولا نشعر به حتى، وكأن يد الأقدار تخبئ عنا تلك المعجزة، لتمتحن إرادتنا وتمحص صلابتنا وعزيمتنا وتمسكنا بأهدافنا، كشجرة البامبو التي تضرب وتمتد بجذورها الليفية القوية أعماق الأرض في سنواتها الأولى، بينما لا يُرى شيئاً فوق سطح الأرض.

إذن لنستلهم من وحي شجرتنا هذه معاني للحياة. بأن نبذر الحب في كل اتجاه وميدان ولا نظن أبداً أن أرض البذر سبخة، ونعمل في مجابهة الظلم والجهل والطغيان بأناة المصلح العارف وصبر المعلم الواثق وثبات الفارس النبيل. ولتتزين كل نضالاتنا بثقة لا تهتز بأهدافها، ولنتعلم أننا بكل خطوة خيّرة جريئة وثابتة نخطوها نمهد لخطوات مثلها لاحقة لنا ولغيرنا. ولنحذر في كل حين أن لا نكون من هؤلاء الذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم، وفقدوا إيمانهم بإمكانية التغيير فتركوا أهدافهم وغادروا ميادينهم.

ذلك حديث شجرة البامبو، فهل نصغي..

نعيمة رجب

جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية

naeimaar@yahoo.com

مقالات ذات صلة

ولنا رأي

اللامتناهي = 1 لا يمكن حصر ما في الكون من التنوّع والتعدد فهو أكبر وأعمق بكثير مما نراه وندركه، وعلى الرغم من كونه لامتناهيا في…

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *