واقع أمة وأزمة إنسان

 

في عالم مضطرب حافل بالتحديات، يواجه الإنسان العربي كم من القضايا الكبيرة التي ينبغي أن يتعامل معها، تشمل كل جوانب وجوده وحياته وتهدد أمنه، وقد أجملها تقرير التنمية الإنسا نية العربية للعام 2009، وهو في حقيقة الأمر صدمة ورسالة إنذار وتنبيه لكل القادة في شتى مياد ينهم السياسية والإقتصادية والبيئية والإجتماعية، بأنّ عليهم أن يقفوا صفاً واحداً في مواجهة هذا التدهور الحاصل، علّهم يستطيعوا إبطاء تلك العجلة الطاحنة فضلاً عن ايقافها حتى لا تأتي على البقية الباقية. في هذا التقرير رسالة مفادها أن العربي يواجه تحدي تداعي مقومات أمنه وأمانه.

فمن الناحية البيئية تتعاظم التحديات أمام الدول العربية، فهناك الضغوط السكانية والديمغرافية، وهناك ندرة المياه وتلوثها واستنزاف مصادرها الجوفية، وهناك التصحر والتوسع الحضري ومشاكله، وأيضاً التغيرات المناخية وظاهرة الإحتباس الحراري.

أمّا من ناحية الدولة ومواطنوها فلم تنجح معظم دولنا في تطوير وتبني مقومات الحكم الرشيد، فلم تستحدث مؤسسات التمثيل الحقيقية التي تضمن المشاركة الفاعلة والعادلة لمختلف فئات الشعب، بحيث تنعكس وتنصهر فيها تركيبة المجتمع وتنوعه الثقافي والاثني والمذهبي.

ولجهة الإلتزام بالعهود والمواثيق الدولية فإن الموقف العام غالبا ما يكون ميالا لتجاهلها، إمّا بعدم التبني أو عدم الوفاء بالتزاماتها والإلتفاف على ما تفرضه من معايير إن تم تبنيها والتوقيع عليها. هذا كله يضاف لمشاكل أخرى في ذات الصعيد كالإخفاقات الدستورية وتقييد القانون للحريات والقضاء غير المستقل، والتدابير الأمنية الدائمة والتي ما وجدت وأقرت في الأساس إلا لتكون مؤقتة، حيث مازالت جملة من الدول العربية تعيش أحكام الطوارئ حتى يومنا هذا الذي ترتفع فيه نداءات الحرية والعدالة والديموقراطية.

أمّا بالنسبة للفئات التي تصنف حسب التقرير بأنها ضعيفة وخافية عن الأنظار، نجد المرأة تحتل المركز الأول فيها حيث تتعرض باستمرار لأشكال من العنف الأسري والممأسس، وتكون ضحية لممارسات ثقافية واجتماعية تلحق بها الأذى بكل أنواعه، فتشويه الأعضاء التناسلية وتزويج الفتيات في سن الطفولة مجرد أمثلة محدودة لهذا الواقع، وأن مساحة كبيرة من العنف الواقع على المرأة هو غير منظور ويمارس في البيوت على الزوجات والشقيقات والأمهات ولا يبلّغ عن هذه الجرائم في أغلب الأجيان، وفي هذا فالمجتمعات العربية بحاجة لثورة ثقافية تحدث طفرة على هذا الصعيد الهام.

هناك كذلك نواحي أخرى أسهب فيها تقرير التنمية الإنسانية العربية، كضعف الإقتصاد ومشكلة البطالة والفقر، والجوع وسوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي، وتطرق إلى تحديات الأمن الصحي، وأيضاً إلى كثير من القضايا الأخرى لا مكان هنا للاسهاب فيها.

إن واقع دولنا العربية يتمثل في إنسانها، والأزمة اليوم تعصف بكل أركان الوجود العربي، ولا أحد بمنئى عن المسؤولية ولا بمأمن عن النتائج، فالكل في ذات المركب والمصير واحد مشترك، إما الوصول به الى شاطى الأمان أو الغرق.

الرسالة التي بعث بها التقرير ليست جديدة في مضمونها وتكان تكون من أبجديات ثقافة الانسان العادي فضلاً عن النخب، ولكنها تذكرة للجميع فلنصّغي لها ولنستجيب لنداءها مادام هناك فسحة للإصلاح، من قبل أن يأتي يوم لا نملك فيه حتى البكاء على أطلال أمة عربية ماتت ودفنت تحت تراب العجز العربي.

نعيمة رجب

جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية

naeimaar@yahoo.com

مقالات ذات صلة

حوار مع الدكتورة/ وجيهة صادق البحارنة – رئيسة جمعية البحرين النسائية – للتنمية الإنسانية

كيف نشأت فكرة تأسيس جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية ؟وإلى ما يرجع التميز في برامج وأنشطة الجمعية؟ جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية منظمة استشارية في المجلس الاقتصادي…

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Facebook
X (Twitter)
YouTube
Instagram