متى وُلد الحلم؟
فقد بعض أعضاء فريق العلماء المكلّف بأحد مشاريع الهند الرائدة -وهو إطلاق مركبة فضائية إلى كوكب المريخ- شغف العمل في فترة ما، عندها سألت مديرة المشروع فريقها: متى وُلد لدى كل منكم الحلم بأن يصبح عالما؟ وبعد أن رجع كل فرد إلى ذاكرته ليجيب على السؤال مع نفسه، تحوّل الفريق إلى خليّة نحل دائمة الحركة من أجل إنجاح تلك الرحلة التاريخية لتصبح الهند أول دولة تصل للمريخ من المحاولة الأولى وبأفضل طريقة وأقل تكلفة.
فعندما أعود بذاكرتي للطفولة، مازلت أتذكّر كيف كنت أقطّع الأوراق أثناء حصّة الهندسة (تمت إعادة تسميتها بحساب المثلثات لاحقا) إلى أشكال المربع والمستطيل والمثلث لتحاكي الرسومات التي تخطّها المعلّمة على السبورة وأطابقها بأشكال مماثلة في الفصل، وأتذكر زميلتي وهي تأخذ دور المعلمة بكل حماس عند غيابها، وأخرى تطلب منا بأن نناديها بالدكتورة.
وها نحن اليوم حققنا حلمنا بأن صرنا فمنّا من صارت مهندسة ومدرسة وطبيبة، ولكن هل فعلا عشنا الحلم أم تحوّل إلى وظيفة نستلم أجرها نهاية كل شهر؟
كثير منّا حلم في مراحل حياته بأن يصبح شيئا ما أو ينال شهادة معينة أو ينشئ مشروعا خاصا أو يعمل في مهنة احترافية، وسعى بجهد بالغ لتحقيق ذلك الحلم، ومن ثم وفي معترك الحياة اليومية يفقد الشغف ويتحول الحلم إلى مهمّة روتينية تبدأ من الصباح إلى المساء، عندها لابدّ له من التوقف للسؤال: متى وُلد حلمي؟ ليس لاستعادة الهمّة فحسب، فربما ما يزال نشيطا، ولكن لاستعادة الحماس بالعودة إلى الرؤية الحقيقية التي انطلق من أجلها والمواصلة على المسار الصحيح.
أحلامنا هي رسالتنا في الحياة والضوء الذي يلوح لنا من بعيد، ليوقد فينا شعلة الأمل والطموح والرغبة في الاستمرارية، لا ليحقّق لنا الربحية المادية كي نعيش، ولكن ليبقينا “أحياء” وإن تكبدنا خسائر فادحة بسببه. وهذا دأب المصلحين والعلماء والمخترعين والمفكرين جميعا، وضعوا رؤيتهم نصب أعينهم ولم يثنهم عن عزمهم كل المعوقات والعذابات التي تكبدوها من مخالفيهم، فمنهم من تحقّق حلمه ومنهم من هلك دونه، فالنبي سليمان (ع) “قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بعدي” وصار كذلك، أما النبي عيسى (ع) فصلب دون أن يرى إصلاح أمته، وتوماس أديسون صنع المصباح بعد مئات المحاولات، وفي النتيجة استمر مسار كل منهم واضحا منيرا يسلكه الآخرون.
بقلم:م.صبا العصفور
استجابات