بيان التنمية المستدامة – التنمية الإنسانية جوهر التنمية المستدامة
أشار التقرير الأول حول التنمية الإنسانية العربية للعام 2002 في مقدمة التقرير بأن ” الثقافة والقيم هما روحا التنمية. فهما تحددان تصور الناس لأغراضها وغاياتها. وتساعدان على تشكيل آمال الناس ومخاوفهم وطموحاتهم ومواقفهم وأفعالهم اليومية، كما وتشكلان مُثل الناس وتلهمان أحلامهم في حياة فاضلة لهم ولأجيالهم القادمة، مع التأكيد على أن القيم ليست خادمة للتنمية ولكنها نبعها الفياض”.
في سبتمبر 2015، أعلنت الأمم المتحدة 17 هدفاً حول التنمية المستدامة للتحقيق خلال الفترة ما بين 2015-2030، حيث تبنّى قادة دول العالم في يوم الجمعة (26 سبتمبر/ أيلول 2015) في مقر الأمم المتحدة بنيويورك خطة طموحة تعد بعالم أفضل في غضون 15 عاماً في مواضيع مختلفة، وخاصة التعليم ومكافحة الفقر والرعاية الصحية والبيئة.وإذ نؤكد على أهمية تلك الأهداف في تحقيق التنمية المستدامة، ونشيد بكافة الجهود العالمية في بلورة تلك الأهداف، إلا أنها غير كاملة من منظور التنمية الإنسانية التي تركز على الإنسان باعتباره عماد الحياة ومحور التنمية، وذلك للأسباب التالية:
- لم يبرز دور الإنسان في الأهداف إلا كمستفيد ومستقبل لما تتفق عليه الحكومات، في حين أنّ التنمية لا يمكن أن تكون مستدامة إلا عندما يحمل الإنسان نفسه عبء ومسئولية الحفاظ على كوكب الأرض، وهذا ما يستلزم أن يدرك أبعاد دوره وحجم مسئوليته تجاه المعمورة والمنظومة الكونية، وأن يؤمن بأن الموارد والثروات الطبيعية لم توجد لاستنزافها وتدميرها، وإنما لحمايتها والحفاظ عليها وتسخيرها لإعمار الأرض، وتحقيق التنمية الإنسانية.
- غياب عنصر تعزيز المعايير الأخلاقية والقيم الإنسانية كهدف أساس في تحقيق التنمية المستدامة، فلقد اثبتت التجارب في النزاعات التي يشهدها العالم، وما يصاحبها من توحش واستبداد وقهر وإلغاء للآخر، بأنه لا سبيل لتحقيق التنمية والسلام المستدام إلا بمعالجة الثقافة التقليدية السائدة عالمياُ والتي أسست البيئة المواتية للظلم والاعتداء والقهر، مع ضرورة إعادة النظر في القيم العالمية الحاكمة التي تعطي الشرعية والحق للأقوى، بمعزل عن المعايير الأخلاقية التي يجب أن تحكم الحلول والمعالجات التي تطرحها المنظومة الدولية للنزاعات والصراعات ومختلف التحديات. فشرعية القيم العالمية لا تنبع من كونها عالمية أو كونها تحظى بإجماع الدول الكبرى، بل من كونها تعتمد المعايير الأخلاقية في حساباتها ورؤيتها.
- يُعرّف تقرير التنمية الإنسانية بأن التنمية الإنسانية هي “عملية توسيع الخيارات”، ويؤكد على أن القصور في الحرية هو قصور في التنمية، الا أنه بالرغم من ذلك، لم تعزز أهداف التنمية المستدامة توسيع خيارات الناس وإطلاق حرياتهم. فالحريات تتراجع والخيارات تتقلص والقيود تتضخم لتفرض على الانسان أن يسلك خيارات محددة مفروضة عليه سلفاً، وهذا ليس فقط على مستوى الحريات السياسية، وإنما أيضاً القيود الذاتية والفكرية للإنسان التي تُعد العنصر الأهم والأكبر تأثيراً في رسم واقعه وفي الحد من ممارسته حريته. فالإنسان أضحى مغلوباً على أمره، غير قادر على اتخاذ قراره ذاتياً بمعزل عن ما يحيط به من مؤثرات داخلية أو خارجية، وحين يفقد الإنسان حريته فأنه يفقد قدرته على أن يكون إنسانا فاعلاً، قادراً على قيادة الحياة نحو الأكمل والأفضل.
إنّ خطة التنمية المستدامة المطروحة للتنفيذ خلال الفترة من 2015-2030 هي خطة معتمدة من قبل الحكومات، ولا نطالب بتعديلها أو إعادة النظر فيها، لأنها حظيت بإجماع عالمي، – وحالياً تجري المناقشات في المحافل الدولية بشأن وضع مقاييس مناسبة لرصد التطور في تحقيق تلك الأهداف -، ولكننا نحث الجهات المعنية من مؤسسات حكومية ومنظمات دولية، وهيئات أممية، ومؤسسات المجتمع المدني، أن تضع في اعتبارها أثناء تنفيذ البرامج والمشاريع المتعلقة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة بأن الإنسان هو محور التنمية، وبأن الثقافة والقيم هما روح التنمية، وبأن لا سبيل لتحقيق تنمية مستدامة إلا عندما يحظى البعد الثقافي والقيمي بالأهمية ذاتها التي تحظى بها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ليكون البُعد الثقافي هو المحور الرابع للتنمية المستدامة.
جمعية البحرين النسائية-للتنمية الإنسانية
نوفمبر 2015