مساحتي الخاصة

بينما كنت أتصفح حساب الإنستغرام، استوقفني فيديو تحت عنوان “أم توثّق معاناتها مع ابنتها بسبب عدم استحمامها لمدة 20 يومًا”، حيث كانت تعرض صورة الابنة في الحمام وتُعلن للمتابعين أن ابنتها لم تستحم منذ 20 يومًا.

قرأت التعليقات المرافقة لهذا الفيديو لأتعرف على حجم الأذى الذي ستتعرض له هذه الفتاة: “فالبعض كان يسخر منها ويستهزئ بها”، والبعض “يُحذّر الأم من تصرفها غير السليم بإفشاء خصوصية ابنتها”، وآخرون يقولون لها “ابنتك كبيرة، أيُعقل أن لا تكوني قادرة على ردعها؟”، وهل عرضك لابنتك سيحل المشكلة……

“إن للأبناء خصوصية واجبنا الحفاظ عليها، وإفشاؤها للآخرين قد يعرضهم للأذى. ففي حالة البنت، قد تتعرّض للتنمر من قبل زملائها أو أفراد عائلتها القريبين منها، وكأنهم اكتشفوا ثغرة يمكنهم من خلالها الوصول إلى نقطة ضعف لديها، فكانت مبرّراً لتصرفاتهم. كما قد يلاحقها الأذى حتى تكبر، فيُقال عنها تلك الفتاة التي لم تستحم لمدة 20 يوماً. كما أن كشف خصوصيات الأبناء يقلّل من ثقتهم بآبائهم، فيبحثون عن هذه الثقة خارج نطاق الأسرة، وقد ينغلقون على أنفسهم ولا يتحدثون عن مشاعرهم وما يمرون به من أحداث مع آبائهم.”

ولكن لو تساءلنا عن دوافع الآباء في الإفصاح عن خصوصيات أبنائهم، فقد يقول بعضهم: “أقولها للآخرين لأنني أضيف جواً من المرح والضحك، خاصة إذا كان الموقف الصادر من ابني فكاهياً.” وقد يبرّر آخرون تصرفهم بأنهم يريدون ردع أبنائهم عن سلوك غير سليم، كما حصل للفتاة في الموقف السابق. أما آخرون فقد يجهلون تبعات كشفهم لخصوصيات أبنائهم، ويخطئون في تقدير ما هو غير مناسب.

من المهم أن نعلم أن اتخاذ خطوة إيجابية وبناء علاقة صحية وآمنة مع الأبناء يُعزّز ثقتهم بنا ويشجعهم على التحدث إلينا بأمان. لذا يجب علينا أن نحرص على احترام خصوصياتهم، التي هي جزء من حقوقهم، وعدم الإفصاح عنها. كما ينبغي أن نكون أكثر وعياً لتفادي هذا التصرف حتى في الأمور الصغيرة التي قد لا نرى بها إساءة عليهم عندما نكشفها لأفراد الأسرة أو الأقارب. بل يجب علينا استئذانهم قبل البوح بها، فمَا نراه صغيراً قد يرونه كبيراً.
كذلك، من المهم أن نحافظ على خصوصية مشاكل أبنائنا النفسية، فقد يعانون من مخاوف قد يراها الآخرون وسيلة لابتزازهم أو التنمّر عليهم عندما يتم كشفها. وبدلاً من كشف تلك المخاوف بالإمكان استشارة ذوي الاختصاص لإيجاد حل لها .

إن التحدث مع الآخرين عن القيم التي يحملها الأبناء وعلاقاتهم الجيدة مع الآخرين، ونجاحاتهم، وتفوقهم سيشجع الآباء الآخرين على تنميتها في أبنائهم، ويحفّز الأبناء على الاستدامة والنمو والتطوّر في هذه المجالات.

بقلم:أ.فضيلة حمّاد

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *