حليب الكلاب

في برنامج تلفزيوني يُطْلع المشاهدين على أوضاع دار رعاية المسنين، رصدت الكاميرا امرأة من النزيلات تبدو في كامل قوّتها الجسدية، طلب منها المذيع أن توجه كلمة، فقالت عبارة تدمي القلب: أنا أم، وأريد من كل الأمهات إرضاع أطفالهن حليب الكلاب في صغرهم، لعلّ وعسى أن يكتسبوا صفة الوفاء في كبرهم!
لم نر سوى جانب صغير من حكاية تلك المرأة مع أبنائها، ولكننا متأكدون من وجود آلاف الحالات لأبناء أودعوا آبائهم أو أمهاتهم في دور الرعاية للتخلص من أعبائهم، وهو أمر غير مألوف ومعيب في بيئتنا الشرقية والإسلامية، وإن وجدت فهي حالات شاذة.
فما يميز بيئتنا هي العلاقات الأسرية المترابطة والبر بالوالدين والتكافل الاجتماعي، وحين يكون الشخص ممدوحا يُقال عنه: “مرضي من والديه” ، وحين يكون مذموما: ” مَنْ لا خير له في والديه، فلا خير له في غيرهم”، فرعاية الأبوين والبر بهما من مكارم الأخلاق.
لذلك نرى أعداد دور رعاية العجزة والمسنين في مناطقنا قليلة مقارنة بعدد سكانها، فالآباء بشكل عام يعيشون حالة اطمئنان بوجود أبنائهم حولهم، وبالمقارنة مع الدول الغربية فمن له ابن أو ابنه متكفلا بدفع تكلفة تلك الدور لهم فهذا يعدونه قمّة البِرّ.
لا ننكر أهمية وجود تلك المراكز الاجتماعية بسبب متغيرات وصعوبة الحياة وقلّة الفرص، حيث يتجه الشباب للعمل ساعات طويلة أو لمغادرة ديارهم للبحث عن لقمة العيش، فلا يجد وسيلة إلا اللجوء لتلك المراكز للعناية بأمه أو أبيه، ويتركهم مكرها وآسفا، ومتحيّنا تحسّن الظروف للاجتماع بهم مجددا.
ولكن ، وللأسف الثقافة الغربية التي تنشئ الإنسان على الفردانية تؤدي به أن يتخلّى عن أي شخص مهما كان قريبا إذا تعارض مع مصلحته الشخصية، وفي هذا الإطار شاهدت يوما فيلما وثائقيا عن الجانب المظلم لأمريكا، حيث كانت امرأة مسنّة مشرّدة تسكن بيتا من الورق المقوّى على جانب الرصيف، فتقول: لي أربعة من الأبناء، لا يتفقدون أحوالي ولا أرجو من أحدهم شيئا، فكلٍ له حياته!
عجبا لثقافة تتقبل عقوق الأبناء برضا وكأنه أمرا محتوما ومسلما به، أن يكون منتسبيها ومَنْ هم على خطاهم فعلا بحاجةٍ للرضاعة من حليب الكلاب! .

بقلم:م.صبا العصفور

مقالات ذات صلة

حوار مع الدكتورة/ وجيهة صادق البحارنة – رئيسة جمعية البحرين النسائية – للتنمية الإنسانية

كيف نشأت فكرة تأسيس جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية ؟وإلى ما يرجع التميز في برامج وأنشطة الجمعية؟ جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية منظمة استشارية في المجلس الاقتصادي…

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *