الفأس في الرأس

من طبيعة البشر أن يسعى الإنسان للبحث عن المتعة والترفيه لإضفاء السرور على نفسه وشحنها بالطاقة الإيجابية خصوصا بعد العناء والتعب، ورغم اتفاقنا على أهمية هذه المتعة بين الحين والآخر، إلا أنها بلغت مراحل من الهوس لدى البعض بحيث أصبحت حالة مرضية وتحتاج للمعالجة.

وتنوّعت وسائل المتعة والترفيه التي كانت من الكماليات لتدخل حيّز الأساسيات، فمثلا صار يتندّر البعض على موضوع التسوّق الذي كان من ضروريات الحياة ليصبح “بالهواية المشتركة بين النساء” والتي قد تصل إلى حد الإدمان عند بعضهن، حتى باتت ظاهرة منتشرة في العالم ومتفقا عليها بشكل عام، وتقابلها عند الرجال هواية متابعة مباريات ودوريات كرة القدم، ففي مواسم البطولات تتوقف الحياة الاجتماعية والسياسية والعملية عندهم لتجدهم متسمّرين أمام شاشات التلفاز، وإذا قاطعهم أحد أو اختلف معهم بشأنها فربما تصل بهم لمرحلة الشجار والعراك.

ولا يُقتصر على ذلك، فقاعدة هرم “ماسلو” للاحتياجات وهي الطعام لم تَعد عنصرا لاستقامة الجسم وصحته، بل مادة للمنافسة المحمومة بين الطهاة والمنتجين وحتى هواة الطبخ وربات البيوت، فالوصفات والخلطات صارت بأهمية سرية ملفات الدولة لا يطّلع عليها إلا أصحاب النفوذ.

ونشوة حصد أعلى عدد من المشاهدات وعلامات الإعجاب على وسائل التواصل الاجتماعي فتحت بابا للسفهاء للمبالغة في التهريج السمج، وفئة من المشاهير للتسابق في عروض الأجساد أكثر من الأزياء، وغيرها من الممارسات غير الهادفة.

كما أدمن العديد من المختصين في المجالات الفكرية والصحية والأدبية من غير وعي على نشوة ازدياد علامات الإعجاب وكأنها هي الهدف لا المحتوى الثقافي وفائدته.

هذا إضافة إلى الإدمان على استخدام الأجهزة الذكية كالألعاب الإلكترونية وتصفّح المواقع والتطبيقات ومتابعة المشاهير مما أنتج جيلا فاقدا لوسائل التواصل الاجتماعي الطبيعية، والأدهى بأن شريحة من الآباء والمربين بالرغم من وعيهم بهذا الأمر إلا أنهم أصبحوا إمّا فاقدي الحيلة في مقاومته، أو من مشجعي أبنائهم كأنها من السلوكيات المشاعة والمرغوبة والحتمية لمتطلبات العصر.

وبالطبع الرابح الأكبر هم التجّار والمنتجون والمصنّعون بتحويل دعائم الحياة كالمأكل والملبس لوسيلة إدمان جديدة لأفراد الأسرة، فتستنفذ جيوب أرباب بيوتها، لتدخلهم في عجلة الاستهلاك المحموم لا لإسعاد أرواح وأفئدة أفرادها إنّما لإمتاع رغباتهم وشهواتهم وغرائزهم.

فَأْس الإدمان لم يعد يقتصر على الأمور التي يقدم عليها الإنسان بوعي كالمسكرات والمخدرات والقمار والألعاب الإلكترونية، بل تخطى حدود اللاوعي ليسيطر على عقول المربين والموجّهين والمختصين، فلابد إذن من وقفة وعي وإدراك صادقة لكل مشاعر المتع الجديدة قبل وقوع الفأس في الرأس.

بقلم : م.صبا العصفور