حدود وحواجز
وفد الفتى من قريته إلى بيت عمه في المدينة بغرض الالتحاق بالجامعة، وبعد عدة أيام قضاها بين أروقة مكاتب الجامعة والجهات الرسمية والمحلات الأخرى لإتمام إجراءات التسجيل المنهكة، دار بينهما هذا الحوار:
الفتى: عمي، الحياة في المدينة صعبة، كيف تتأقلم مع كل هذا التنوّع من الناس من حولك؟ فهم مختلفون في كل شيء عنّا، الدين والمذهب والعادات والأعراق، ورغم اللغة العربية المشتركة بيننا، إلا أنني لا أفهم كثيرا مما يقولون!
العم: يا بنيّ، ما تراه مختلفا هو أجمل ما في الأمر، أن يعيش كل إنسان متفرّدا بشخصيته بين المتنوعين هو ما يعطيه تميّزا، فطريقة معاملته بهذه الشخصية هي ما تثري المجتمع وتساهم في تطوّره.
الفتى: كيف يا عمي؟ ألا يثير ذلك أوتار الاختلافات والتناقضات بينكم والتي غالبا ما تتسبب في المشاكل؟
العم: هنا يمكنك وضع الحدود بينك وبينهم لا الحواجز، فالحدود تجعلك تتقبّل الآخر ضمن مساحة الاهتمام والتأثير لا يتعدونها، وهي تسمح لك برؤية الجمال فيهم، إنما الحواجز تكون كأنها نقاط تفتيش على نواياهم، وهذه تصير كأنها جهاز رقابة عن الأخطاء فتعكر صفو العلاقات.
الفتى: لكن كيف تتقبل تلك الاختلافات بهذه الأريحية والسلام؟
العم: يا بنيّ، الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، كلنّا نشأنا في أُسر وبيئات وأديان وأعراق لم نخترها، فلا يحق لنا المفاضلة بيننا وبينهم، فتقبُل تلك الحقيقة هي فرصة لخلق بيئة حوار قائمة على الاحترام، وتسمح لكل فرد بالتعبير عن آرائه بأمان بعيدا عن العصبيات.
الفتى: جدال آمن! ماذا تعني؟
العم: أنا قلت حوارا وليس جدالا! فالحوار الهادئ هو المدخل الرئيسي لمعالجة القضايا والبحث عن الحلول المرضية لجميع الأطراف بلا تمييز، إنما الجدال فهو عقيم، “وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ“ فالتدافع دعوة تستنهض الهِمم للتآلف والتعاون من أجل الإصلاح، وأداة للتغيير “بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” وهي وسيلة للنماء والعطاء لإصلاح المجتمع وتطويره.
يا بنيّ، لكي تكون مواطنا صالحا متعايشا بسلام مع نفسك ومحيطك، عليك التحلّي بما سبق، ولا يعني ذلك عدم وجود المشاكل والخلافات، ولكنك ستكون من الحكمة والخبرة بأن تتعايش مع المختلفين من الناس بالمودة والرحمة والإنسانية.
بقلم: م. صبا العصفور
استجابات