البحث عن الخوف الصامت
حقيقةٌ نحنُ لا نخافُ من الارتفاعات، بل من السقوط. ولا من الظلام، بل مما نتوهم بأنّه موجود في الظلام، ولا نخاف من بناء علاقات جديدة، بل من أن تكسر قلوبنا ويتم رفضنا في مرحلة ما من تلك العلاقات. نحن لا نخاف من المقدمات، بل من النتائج المحتملة.
عندما يخافُ أبناؤنا من أمرٍ ما، فَهُمْ في الغالب لا يعرفون كيف يعبرون عن حقيقة الخوف والمتمثل بالنتائج المؤذية، بل يرفضون المقدمات، مما يجعل الأمر يبدو وكأنّها مخاوف بلا منطق. فنتناقش معهم ونصرُّ على أنّ المقدمات اعتيادية لا تخيف، بينما الخوف يكمن في مكان آخر خارج عن موضوع النقاش فنبدو وكأنّنا أقنعناهم، ولكن الحقيقة هي أننا كرّسنا الخوف أكثر إذ تم إضافة عامل آخر للخوف وهو: “والدي لا يفهمون ما يخيفني. وحين يقع الحدث المخيف أنا وحدي ليس لدي أحد يساندني”.
هناك شرخ ضعيف جدًا في جدار منزلنا لا يكاد يكون واضحًا. لاحظته حفيدتي ذات الأربع سنوات فسألت عن ماهيته. شرح لها جدها بأنّ ذلك شرخ سطحي ناتج عن تأثير التمدد. فهمت الآلية ولم تسكن مخاوفها التي لم تتكلم عنها أصلًا. وسألت والدها عنه، فشرح لها السبب من زاوية تتعلق بالأعمدة في البناء. ورجعت لتسألني ذات السؤال، فهي فهمت فيزياء شرخ الجدار وميكانيكيته المبسطة، ولكن ما يمكن أن يحصل نتيجة ذلك لم يُحل بعد.
فشرحت لها بأنّ ما قاله جدها ووالدها هو ما حصل للجدار، ولكن هل هناك ما يزعجها فيه؟ فقالت: نعم. والسؤال الآخر: هل تخافين من أن يحدث شيء بسبب الشرخ؟ فقالت: نعم، أخاف أن يسقط الجدار وينهد. وهذا هو الموضوع الحقيقي ” كيف أضمن أن لا يقع الجدار وينهد”، وليس ما وضحته هي في سؤالها الأول: “ما هذا الشرخ الحاصل في الجدار”.
ففي زمن المخاوف المتسارعة كالتنمر والابتزاز والإغواء المتنوع، فإنّ أبناءنا بحاجة شديدة لوجودنا معهم كآباء نتفهم النتائج المحتملة التي يخافون منها دون الوقوف على المقدمات فقط. فنمنحهم الأمان للتعبير عن مخاوفهم، خاصة وقد يكون لهم يد -بعلم أو بجهل- في المقدمات الحاصلة والتي أصبحوا يخافون نتائجها. فنساعدهم على فهم الوضع والنتائج المحتملة، والأهم أن نتناقش معهم عن التحديات التي يجدون صعوبة معها في اتخاذ قرارات سليمة وقيمية في الجوانب التي تثير مخاوفهم.
ويمكننا أخذ ذلك الدور الحيوي بقوّة عندما نتواصل مع قلوبهم بمحبة واحتواء، وليس مع عقولهم فقط.
بقلم : د. سرور قاروني
استجابات