هل لديك مكان في ذكريات أبنائك؟
الذكريات ُجزءٌ أصيلٌ من هويتنا. وللكيفية التي نفسرُّ بها أحداث تلك الذكريات أثرًا مباشرًا على مشاعرنا وعلاقاتنا وقراراتنا اليوم.
هل تذكرتَ وأنت تقرأُ هذه السطور ذكريات من ماضيك لأحداث ممزوجة بمشاعر لما رأيت وسمعت؟ هل هناك شبه بينها وبين نوعية ذكريات أبنائنا اليوم؟
فالكثير من الأبناء يمضون أوقاتًا على الفضاء الافتراضي بممارسات مختلفة منها الألعاب الجماعية التي تتضمن أفرادًا من شتى أنحاء العالم، ونظارات محاكاة الواقع، والتي بالتأكيد هي محاكاة لواقع افتراضي ما، وليست الواقع الحقيقي.
فأبناؤنا يعيشون في هذا الواقع الافتراضي أحداثًا تثير لديهم مشاعر وحالات مختلفة بها من المخاوف والآمال والتحديات الكثير. وتفرز أجسامهم الهرمونات المرتبطة بكل شعور وكأنّ تلك الأحداث حقيقية فعلًا. ويبنون لهم ذكريات من تلك الأحداث وتحفر في ذاكرتهم. ولكن… مَنْ هم أبطال هذه الذاكرة؟ وما هو الدرس المستفاد وما هو الإثراء في شخصياتهم؟ ومَنْ كان موجودًا معهم فيها ليتحدث معهم عنها وعن معانيها؟ وهل في هذه الذاكرة ما يمكن نقله للأبناء والأحفاد مستقبلًا؟
هذه وغيرها من الأسئلة تضعنا أمام مسؤولية مهمة وحياتية، وهي تحمل مسؤولية صناعة الذكريات. نعم… تبدو بأنّها مسألة يجب أن تكون تلقائية وليس بتفكير ونهج، ولكنّها لا تأتي بسهولة مع الوضع الحالي. فذكرياتهم معنا كآباء وكأسرة ربّما تكون متقلصة لدرجة أنّها تفتقد لما يعتبره الذهن حدثًا مميزًا يحمل مشاعر قوية تستحق التخزين في الذاكرة، بل وقد يكون الأمر أشد حين تكون ذكرياتهم معنا هي مشاعر قوية تنتج عن الأوقات التي نستاء فيها منهم أو نوبخهم لبقائهم على الانترنت فترات طويلة، أو إهمالهم لدروسهم والأمور الحياتية الأخرى نتيجة ذلك.
فوجبة غداء مرحة لا تخلو من كلمات متناثرة هنا وهناك تشير لتقصيرهم، مشاركتهم أمورًا حياتية مررنا بها وسماع آرائهم، خلق أوقاتًا للاستماع لهم والتفاعل مع يومياتهم مع التركيز على ما هو مميز وقيمي فيما يقولون وإظهاره لهم، مناقشة خطأ قاموا به بجلسة فيها احتواء واحترام وحزم في آن،… وقائمة لا متناهية نستطيع أن نبني معها ذكريات حقيقية في أذهان أبنائنا حيث نكون نحن جزء جميل وآمن ومحب منها. فتلك من شأنها أن تقربهم منّا وتقرّبنا منهم، وتبني هويتهم القيمية والثقافية والمجتمعية التي يستطيعون نقلها لأبنائهم. والأهم أنها تجعلنا مصدرًا آمنًا لرجوعهم إلينا حين تعصف بهم الأحداث ويحتاجون لمن يرشدهم بمحبة واحتواء.
بقلم : د. سرور قاروني
استجابات