النساء أولا
في الثقافة الغربية عندما تهمّ امرأة بدخول بوابة أي منشأة يبادر الرجل بفتح الباب لها قائلا: (ladies first) أي النساء أولا، وتُتبع حاليا في معظم المجتمعات من باب الاحترام والذوق في معاملة الرجل للمرأة، والجميع يعتقد بأن ذلك بسبب الذوق والكياسة، ولكن بالرجوع إلى منشأ العبارة نجد روايات مختلفة، فتقول إحداها بأن فتاة فقيرة أحبت شابا من عائلة ثرية، ولكن عائلته رفضت هذا الارتباط، فقررا الانتحار بالقفز من أعلى الجبل إلى أسفل الوادي، وبالفعل ذهبا معا وألقى الشاب نفسه أولا لأنه لا يحتمل رؤيتها تموت أمامه، وبعد سقوطه تراجعت عن قرارها وعاشت حياتها الطبيعية بعد ذلك، لذا استخدمت عبارة (ladies first) لضمان عدم تراجع المرأة عن قرارها.
وإن كانت هذه الرواية غير صحيحة وتُحكى من باب التندّر، إلا إنها تستند لقاعدة عدم الثقة بالمرأة وإن الخيانة من طبعها.
وعلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية وبالأخص في الثقافة الشرقية عندما تمشي المرأة أو تصعد السلم تتخذ موقعا خلف الرجل، ويعود ذلك لأسباب عديدة تغلب عليها سيادة الثقافة الذكورية، فأحدها حفاظا على عفّة المرأة حتى لا تكون في مرمى عينيه -الرجل- لينظر إلى تفاصيل جسدها، وسبب آخر هو تبعيتها وطاعتها له فلا يصح أن تتقدمه بخطوات.
وطبعا ذلك يقدح في الصورة العامة التي يتشدّق بها الناس عن التحضّر فبرزت في المقابل عبارة “وراء كل رجل عظيم امرأة” تعزيزا لأهمية دورها كزوجة وربة أسرة تدفع بزوجها للتقدّم والنهوض بالأمة والوطن، وتبقى هي في الخفاء كالجندي المجهول، وكأنه لا يصح في العلن أن تسحبه أو تمسك بيده أو تكون بجواره لا خلفه.
إذن نجد هناك ثقافتين شرقية وغربية تتضمن كلاهما أعرافا وتقاليد تعزّز دونية المرأة، إما بسوء الظن بها واتهامها بالشيطنة، أو بالتبعية للرجل أو بصفتها أنثى بما تحمله من معنى، وفي أفضل الحالات بالنمطية السائدة وهي حصر دورها كربة بيت فقط مع كل التقدير لهذا الدور العظيم.
الأعراف هي قوانين غير مكتوبة يفرضها المجتمع على نفسه، تكون أحيانا مشتقّة من فهم خاطئ للدين وأحيانا أخرى ليس لها أساس في الدين، فهي مجرد عادات وتقاليد، ومشكلة هذه الأعراف أنها مع الزمن تصبح مُلزمة ومخالفتها تُعتبر انتهاكا لقيم ذلك المجتمع، كزواج الفتاة من شخص أجنبي أو يصغرها بعدة سنوات أو قرارها بالسكن المستقل عن أسرتها، وقد تدخل في تأسيس التشريعات والقوانين وحقوق المواطنة لذلك المجتمع كأن لا يحق للمرأة المتزوجة من غير جنسيتها أن تمنحها لأبنائها.
فإلى أي حد ينبغي احترام أعراف وعادات وتقاليد المجتمع؟
جواب هذا السؤال يرتبط بشكل كبير بطبيعة هذه الأعراف والعادات والتقاليد، فالأعراف قوانين غير مكتوبة ولكنها ليست نصوصا قرآنية، ومع الأسف عمل بعضها على تكبيل المرأة وجعل إرادتها تابعة لإرادة الرجل أو الأسرة، فلسنا ضد كل هذه الأعراف وليست بالضرورة أن تكون جلّها سلبية، فبالتالي هي أمور قابلة للمناقشة وعلينا محاكمتها، وانتقاء منها الجيّد الذي يتناسب مع متغيرات الحياة وإعطاء المرأة دورها الإنساني الذي خلقها الله من أجله.
بقلم: م.صبا العصفور
استجابات