لولا أن كان جوّنا
يروى أن مجموعة من الناس كانت تذهب لزيارة رجل حكيم، وفي كل مرةٍ يشكون له نفس المشاكل، وذات يوم قال لهم نكتة وضحك الجميع، ثم أعادها ثانية وابتسم عددٌ قليل منهم. وعندما كررها مرة ثالثةً لم يعــد يضحك منهم أحد. فابتسم الحكيم وقال: لا يمكنكم الضحك على النكتة نفسها مراراً وتكراراً، فلماذا تكررون البكاء على نفس المشكلة!!
في واقعنا الكثير مَمنْ هم يشتكون مراراً، وقد أتفهم الشكوى من أمور حياتية صعبة، ولكني أستغرب ممن يشكون من الجو ومن الطبيعة المحيطة بنا، فكثيراً ما أسمع: ما هذا الجو التعبان، لمَ لا تنزل علينا أمطارًا كسائر البلدان!، ليس لدينا أجواء جميلة ومناظر خلابة! …إلخ وكأننا مَنْ يملك خيار أن نكون في هذه الطبيعة أو تلك!. ثم كيف نعطي لأنفسنا الحق في التدخل في الخلق المُحكم والشكوى منه؟ ولو كانت الطبيعة تنطق.. لقالت ما قاله الحكيم: ما لكم تكررون الشكوى ذاتها، وربما ستتعجب من شكوانا ، فما نحن إلا ضيوف في دار الطبيعة، فحريٌ بالضيف أن يشكر استضافته وتمتعه بخيرات المضيف، لا الشكوى والتذمر منه.
إنَّ أجواءنا الصحراوية الساخنة – بما فيها من شُحةِ الأمطار وقلتها، إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة – لها من الأهمية لما للأجواء الاستوائية، أو الباردة، أو الصحراوية الباردة، أو شبه الصحراوية، أو غيرها، ولا تستقيم الأرض إلا بهذا التنوع، وكذلك سكان الأرض موزعين بين تلك الأراضي والأجواء، وقد خُلقوا بانسجام معها. إلا أنّ النظرة للجو من منظور شخصي ضيق هو الذي يعشي الفهم للنظرة الكلية المُحكمة للكوكب، علماً بأن خمس أراضي العالم هي أراضي صحراوية، فيا ترى ما أهميتها؟
بنظرةٍ أكثر شموليةً نجدُ أنَّ الصحاري الساخنة والباردة تعمل على تعديل درجة حرارة الأرض المعقدة، إذ كونها قاحلة فهي كمرايا عاكسة لضوء الشمس مقارنة بالغابات أو البحار. كما تعتبر الصحاري بمثابة بلاعة كبيرة للكربون، إذ أنَّ البكتيريا الموجودة في الرمال تساعد على تخزين ثاني أكسيد الكربون وتمنعه من الصعود للغلاف الجوي. وتعد الصحاري مصدراً هامًا للمواد الخام لصنع المنتجات مثل الطوب والزجاج والأسمنت. وفي كوكبنا ( 15 ) نوعا من الرواسب المعدنية و(13 ) نوعا منها موجود في الصحاري، مما يجعل الصحراء مكانا زاخراً بالثروة المعدنية لانتعاش الاقتصاد المحلي والعالمي.
ما سبق قليل من كثير مما تزخر به الأراضي الصحراوية، ولا يعني ذلك دعوة لزيادة رقعة الأراضي الصحراوية، وإنما دعوة لإعادة تقديرها والنظر دائما للصورة الكلية للطبيعة ومكوناتها، وعدم الشكوى من أجوائها، فهي وإنْ بدت قاسية ، إلا أنها أكثر أمانا مما نشهده في العالم حولنا من زلازل وبراكين وأعاصير وكوارث لا حصر لها، فلنكفّ عن قول ” لولا أن كان جوّنا” ! ونشكر النعمة التي نحن فيها.
منى العلوي
مستشارة في برنامج المواطنة البيئية
استجابات