سلام داخلي رغم الصخب!

في مدينة صاخبة، حيث تتعالى أصوات الباعة وضجيج السيارات، كانت تعيش امرأة تُدعى “لطيفة”. كانت تسكن وحدها في بيت صغير متواضع في وسط المدينة، وبالرغم مما تمر به من فقر بعد فقدانها لزوجها وانشغال أبنائها عنها، إلا أنَّ كل من يقابلها كان يشعر بالسلام والانشراح يتدفقان منها. زارتها ذات يوم ابنة صديقتها واسمها “مريم” فسألتها: ما هو السر الذي يجعلك بهذا الهدوء والاطمئنان؟!
ابتسمت لطيفة وأخذت بيد مريم إلى حديقتها الصغيرة، وأشارت إلى شجرة باسقة ثابتة الجذور وقالت: انظري إلى هذه الشجرة. إنَّها تواجه الرياح العاتية والأمطار الغزيرة وحرارة الشمس الحارقة، لكنها تبقى ثابتة شامخة. لماذا؟ لأنَّ جذورها عميقة وقوية.
ثم أضافت: السلام الداخلي يا ابنتي، هو جذورك أنتِ. عندما تكون جذورك قوية ومتينة بالإيمان والرضا، فإن تقلّبات الحياة لن تهزّكِ. تعلمي كيف تغذّين جذورك الداخلية، وستجدين السلام حتى في خضم العاصفة.
نظرت مريم إلى الشجرة بتأمل ثم إلى وجه لطيفة المنشرح، وبدأت تدرك معنى كلماتها الملهمة. وبعدها غادرت بيت لطيفة وهي تحمل معها بذرة السلام الداخلي التي زرعتها المرأة الحكيمة.
إننا غالبًا ما نظن أنَّ السلام الداخلي يكمن في الأماكن الهادئة، أو الظروف المستقرة، أو في غياب المشاكل. لكن الحقيقة أنَّ جوهر هذا السلام أعمق بكثير. ومفتاحه يكمن في قدرتك على تهدئة ضجيج الأفكار بداخلك، والتحرَّر من القلق والتوتر. والتعامل مع المشاكل والصعاب بهدوء واتزان، وتحمل مسؤوليات الحاضر بعيشه بحب وامتنان، والنظر للمستقبل بأمل وانشراح.
تخيل لو كلّما واجهتك مشكلة أو تحدٍ استقبلته بهدوء الواثق من إيجاد المخرج. كيف سيكون شعورك حينها؟ إنَّ هذا الهدوء والتفكير العميق يمنحانك إحساسًا بالأمان والاتصال بقوة أكبر منك، وهذا الإيمان هو بالفعل الركيزة التي تبني عليها سلامك الداخلي.
تخيل أيضاً لو أنَّك تخلّيت عن محاولات السيطرة المستمرة على كل شيء، وتقبّلت ما لا تستطيع تغييره. كيف سيكون حالك حينها؟ ستجد في أعماقك حالة من الطمأنينة التي تمنحك راحة داخلية عميقة، حين تتوقف عمّا لا تملك تغييره، هذا القبول للواقع، حين يقترن بالثقة بأنَّ لكل أمر حكمة، يفتح لك باباً واسعاً لسلامك الداخلي والانسجام مع حياتك اليومية.
فلتبدأ رحلتك نحو السلام الداخلي بخطوة صغيرة، تنفّسْ بعمق في لحظة توتر، أو حاول أن تتقبل أمراً خارجاً عن إرادتك. هذه البدايات البسيطة هي اللبنات التي تبني عليها سكينة روحك. تذكر أن أصغر بذرة تحمل في طياتها إمكانية النمو لتصبح شجرة وارفة الظلال. ابدأ الآن، وشاهد السلام يزهر في داخلك.
بقلم :أ.شفيقه زيد
استجابات