فتش عن التسامح ستجد المرأة

لعله في طبيعتها وخلقها، ولعله منهاجاً وطريق اختارت سلوكه، حين رأته يوافق سجيتها الخيّرة. لعله إنعكاس لمدى قدرتها على التجاوز والتغاضي رغم الآلام، ولعله الحب الجياش المفطورة روحها عليه. إنه التسامح في المرأة، ذلك التجلي الأكمل لعمقها الإنساني، حيث الهبة العظيمة من الخالق في اتساع روحها، وعظم ما يحمل وجدانها من عاطفة مرهفة وعالية اتجاه كل شيئ، وقد كانت أمومتها هي العنوان الأكبر والأمثل لهذا التفرّد الذي أبدعه المبدع سبحانه.

لا يختلف اثنان على أن المرأة أقدر على التسامح من الرجل، ولولا هذه الملَكة ما بقيت الكثير من البيوت على حالها، ولربما ضاعت أجيال نتيجة الطلاق، وتَفَكَّكت عرى آلاف الأسر. ولكن تسامحها حال دون الكثير من المآسي التي ربما تحدث، لو أنها لم تتعالى على الجراح وتغض الطرف وتبادل الغبن الذي تواجهه، بمزيد من الحب والتفاني والعطاء. فعلى المجتمع أن يعترف لها بذلك الفضل، ويقدر صفة التسامح فيها.

ولكن، في ذات الوقت، يجب أن لا يقود تسامحها إلى انتهاكها والدوس على كرامتها وحقوقها، فلا بد من وضع سياج حصين يحول دون ذلك، والتسامح أبداً لا يكون في بيئة موبوءة بالظلم والإمتهان، ولا يكون استسلام لأمرٍ واقع، أو فرض تلقيه العادات والتقاليد الغير منصفة على المرأة. فالسكوت أمام الإهانات من أي فردٍ كان ليس تسامح، والإستسلام لإلقاء كل أعباء البيت والأطفال عليها وحدها ليس تسامح، وعدم المطالبة بمجمل حقوقها سواء داخل البيت أو خارجه أيضاً ليس تسامح، وكذلك الصمت إزاء إجحافها في القوانين أو في الممارسات الأخرى المختلفة لا يمكن أن يكون تسامح.

إن مجتمعاتنا للأسف تفرض على المرأة، أن تتسامح في أمور لا يجب التسامح فيها، بل هي خارج هذه الدائرة من الأساس، فنسيانها لحقوقها وعدم المطالبة بها، في الوقت الذي تبذل وتضحّي في سبيل أسرتها ومع أبنائها وزوجها، مع تركيزها التام على أداء ما هو أكثر حتى من واجباتها متناسيةً نفسها وحاجاتها، هو في عرف المجتمع واجب لا بد أن تقوم به، وإن تخلفت عنه فهي تستحق بجدارة وصف مهملة وعاصية وناشز!

إن التسامح شجرة وارفة الضلال تغطي بحنانها كل فرد وأسرة ومجتمع، لكن هذه الشجرة حتماً تموت لو لم تسقى بماء العدالة والإنصاف وصون الحقوق، وهي جزء جميل من لوحة لا بد أن تكون كل زواياها جميلة أيضا، وإلاّ لن يتمتع أحد بسحرها وروعتها.

إن المرأة حين تمارس التسامح في حياتها، فإنها تضيف كمالاً وجمالاً لهذا العالم، وهي تستحث بذلك كل قيم الخير في الآخرين، لكي تظهر وتُفعّل وتصبح ثقافة جماعية، تمارسه لكي تولد روح جديدة لشتى العلاقات الإنسانية، وينتهي كل ما يكدّر صفائها وبريقها، وتمارسه كذلك لتنشر الحب وتُتَوِّجه حاكماًعلى الكل، دون القوانين أو النصوص أو اللوائح.

إن المرأة بتسامحها – الواعي – تنشئ مدرسة، حريٌ بكل المجتمع أن يتعلم فيها، كيف ينبغي أن تكون الحياة بين البشر وكيف ينبغي أن يتعاطى الإنسان مع الأنسان، وكيف يمكن أن يكون التسامح لغة للتواصل والتفاهم، بين القلوب، وبين العقول، وحتى بين الأوطان والشعوب.

نعيمة رجب

جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية

naeimaar@yahoo.com

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *