المرأة في مناهجنا الدراسية

ماذا يريدون منا؟ هل يريدون أن نضع صورة امرأة على دراجة نارية، ونقول لأطفالنا هذه امرأة المستقبل؟ أم يريدون أن نصور أنفسنا بأثداء ترضع؟”   هذه مقولة م ن أحد مدرسي اللغة العربية قالها ساخراً وهو يحدث زميله، معترضاً على مطالبات ناشطات نسائيات بتغيير المناهج الدراسية، بما يتوافق مع قدرات المرأة وأدوارها المتعددة والمختلفة.

أتساءل، هل هذه سذاجة! أم محاولة للالتفاف حول مطلب رئيسي بتوهينه والحطّ منه؟ لا شك أنها مقولة تعكس الكثير من عدم الدراية، لمواضع الاعتراض في المناهج ومغزى مطالبات تغييرها. وهي كذلك تعكس عدم التبصر، للأهمية والدور الجوهري الذي تطّلع به في إرساء المفاهيم والقيم الأساسية للناشئة. فلو أجللت تقدم أمة وتحضرها وأُعجبت بعمق قيمها، فابحث عن سر ذلك في مناهجها التي تدرسها.

إن موضوع المرأة وكيف تم تصويرها في مناهجنا الدراسية، أمرٌ ينبغي الالتفات إليه بجدّ، لأنه لبنة من لبنات الجدار المضروب حولها، فهو إضافةً إلى أمور أخرى، يسجنها في بوتقة ضيقة وكئيبة، لا توازي أبداً رحابة قدراتها ومواهبها وأدوارها المتعددة والكثيرة في الحياة. فلابد إذن من إعادة النظر في طريقة وضعها في المناهج.

نحن نطمح إلى صناعة جيل جديد، متحرر من أثقال ما وُجهت به المرأة، من فهم ناقص لحقيقتها ودورها، وهذا بطبيعة الحال يبدأ من خطوات الناشئ الأولى وأبجدياته الأساسية، فزراعة شجرة على أرض نظيفة وخصبة، هو خيرٌ وأعظم فائدة من زراعتها على أنقاض سيقان سامة وتالفة. فيجب أن نضع العصا في العجلة بأسرع ما يمكننا، لنوقف الضرر المستمر، فكل يوم ندرّس أبنائنا ما ترسّخ من صورة نمطية للمرأة دون محاولات لكسر هذا الطوق، هو تمهيد لواقع بائس وظلم جديد لها، وكل يوم نعلمهم أنها الأقل كفاءة وعقلا ومواهبا من نظيرها الرجل – ولو بطرق غير مباشرة-، فإنّا نسجنها ونسجن مجتمعاتنا كلها بهذا الفهم المعوج.

نحن نرسل أطفالنا كل يوم لمدارسهم ليرفعوا الظلام بالنور، والجهل بالعلم، والنقص بالكمال، ولا نرسلهم لتتلوث فطرتهم بنظرة ناقصة لأمهاتهم وأخواتهم، وأنفسهن إن كانوا إناثاً، إنها صورة غير منصفة ووضع غير عادل، ذلك السجن المعرفي الذي تواجه به المرأة في مناهجنا الدراسية، فذلك التشويه ليس من السهل رفعه بعد أن لقنّاه لأطفالنا على مقاعدهم الدراسية، فكلنا نعرف وكما قيل أن العلم في الصغر كالنقش في الحجر.

لذلك لابد من عمل سريع وإجراء حاسم، لتعديل المناهج بخصوص المرأة، ولتنسجم كل مخرجاتنا، مع شعاراتنا التي تنادي بحقوق المرأة وتمكينها ورفع الظلم عنها. إنه تحدٍ ينبغي مواجهته بشتى السبل، وعلى كل ذي عقلٍ واع ومثقف أي يتخذ موقفاً، الآباء والمعلمين وأخصائي التربية ومسؤولي المناهج وغيرهم.  فلا بد من وقف تلقين أبنائنا كل ما يقلل من شأن المرأة أو يحدد من أدوارها، وأن يتوقف وضع مفاهيم في كتبهم المدرسية، تنحرف بهم بعيداً عمّا تستحقه من فهم لعظم دورها في كل مجالات الحياة.

نتمنى أن يفتح أبناءنا كتبهم ذات يوم، ليروا ويقرأوا الملاحم التي سطّرتها النساء على مدار تاريخنا الإنساني، يروا كيف كنَّ عضد للأنبياء، وكيف كنَّ مع نظيرهم الرجل معاول هدم للجهل والظلم والأنانية، ونتمنى كذلك أن تُروى بطولاتهن في كل الميادين، فهنَّ الثائرات والمخترعات والأمهات والعالمات.

المرأة نصف الحياة والجمال والكمال، ومجتمعٌ نصفه معطل لا يرقى ويتحضر مهما ألبسناه أجمل الثياب وأغلاها.

نعيمة رجب

جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية

naeimaar@yahoo.com

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *