استهلاكٌ أم إسرافٌ المحصلةُ دمارٌ شامل
نُقِلَ عن خبراء الاقتصاد قولهم: ” أيها الناس اذهبوا واستهلكوا وسيكون الاقتصاد بخير”. عبارة كهذه وغيرها العديد تدفع بالإنس ان وتجره نحو الاستهلاك أيًا كان نوعه ومدى أهميته ، استهلاك كهذا يعني مقصدا واحدًا ؛غياب الوعي الإنساني الذي ينذر بالخطر المترقب للأجيال القادمة.
وما حصل في العالم بعد تفجر الثورة التكنولوجية أدى إلى ” بروز العولمة التي جعلت الرأسمالية المولعة بالإنتاج تدفع الناس دفعا لسلوك آخر هو الوجه الآخر والطبيعي للإنتاج وهو الاستهلاك”. (1)
فبعد أن كان الناس يكتفون قانعين بلقمة العيش والمسكن المتواضعين ، أصبحوا مهووسين باقتناء كل جديد ينزل الأسواق من أطعمة وألبسة وسيارات فارهة وهواتف نقالة ، وهكذا هي سلسلة من المنتجات باتت فيها الكثير من الكماليات من ضروريات العصر .
وقد يعترض الكثير من الناس بمختلف طبقاتهم الاجتماعية بأن ما يصرف من مبالغ ليست من الكماليات ، بل هي من أساسيات الحياة ، وإن لم تواكب المصروفات على تلك المنتجات الحديثة فيكونون ممن تخلفوا وراء الركب. .
ولكن ماذا لو وضعنا نصب أعيننا تأثير ذلك الاستهلاك وما يسببه من أضرارٍ بليغة على الفرد جانبًا و على البيئة من جانبٍ آخر؟
فعادةً ما تنتاب الأفراد المسرفين حالاتٍ من القلق إن كانوا من ذوات الدخل المحدود ، فيصبحون ويمسون وهم في همٍ وقلق في كيفية تأمين متطلباتهم المادية ، وكيف السبيل لزيادة دخلهم الشهري ، فيقترضون من هذا وذاك من المصارف لسد حاجاتهم اللامتناهية محاكاة لغيرهم وتماشيا معهم .
أما إذا طاوعتهم ماليتهم فحالهم أسوأ من سابقيهم بكثير فيعيشون غير قانعين بما لديهم ، دوما في بحثٍ عن آخر المستجدات من السلع والخدمات .
والسؤال الذي يطرح نفسه من هي الجهة التي تؤثر على اختيارات الناس بصدد الاستهلاك؟ وهنا لا يمكن التغافل عن أثر السمات الاتصالية للعولمة والتي جعلت الإعلان عن السلع والمنتجات يأخذ أبعاداً عالمية، إذ أصبح الإعلان التجاري يصل إلى كل مكان في العالم.
ومما لا شك فيه أن هذه الإعلانات والتي تصاغ بشكل جذاب للغاية، من شأنها أن تؤثر على اتجاهات الناس وما هو مفضل لديهم في مجال الاستهلاك، بل وتدفعهم دفعاً إلى شراء السلع الكمالية الجذابة.
وقس على ذلك فتبعات الإسراف هي محصلة للطمع والجشع وكلها تندد وتهدد بتهاوي المجتمعات وانحلالها.
أما عن تأثيرها السلبي على البيئة لم أجد ما هو أكثر تعبيرا مما ورد في تقرر “التنمية البشرية” التابع للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة عام 1998 حيث ورد فيه تحذيراً مبكراً من سلبيات الاستهلاك المعاصر، والذي جاء في نصه: “إن الاستهلاك المعاصر يدمر أساس المصادر البيئية، ويزيد من عدم المساواة بين البشر” .
وللأسف نجد أن الإسراف أصبح منهجا للحياة، إذ نرى الاستهلاك يدفع نحو الإسراف ، والإسراف بدوره يعني مزيدا من الإنتاج ، والأخير يعني دفعا قويا للصناعة والتي هي بدورها تندفع اندفاعا نحو استغلال كل مكونات الطبيعة طالما المحصلة هي الربح الوفير، وكل مكونات تلك الدائرة بالإمكان التوقف عندها وعدم الانسياق وراءها عندما نحدد أولوياتنا فيما نحتاجه أو نستغني عنه من المنتجات.
وإزاء هذا كله لا بد من وعي مجتمعي ” فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته” فمن خلال الوعي وممارسته نكون قد جنبنا الكثير من فئات المجتمع أن تنساق وراء تلك المزاعم الواهمة والتي تحث الناس على اقتناء كل ما ينزل الأسواق من منتجاتٍ جديدة .
مريم الصيرفي
جمعية البحرين النسائية – للتنمية الإنسانية
استجابات