نبتة تخرج من تحت التراب

 

لم تكن صورة العربي القديم وهو يجرّ إبنته ليهيل عليها التراب، بأشدّ إيلاماً مما نراه كل يوم. ها هي المرأة لم يتوقف وأدها منذ كان، تتنقّل بين أشكاله المختلفة وبأيدي جناة كثيرين، حتى هؤ لاء الذين يدّعون أنهم منقذيها ومحرّريها تلطخوا بعار ذبحها فوق التراب. إنساننا المرأة ظل يعاني منذ خلقه الله، علّقوا بها خطيئة آدم أبو البشر وبعدها نسبوا إليها كل أرجاس مجتمعاتهم. تفننوا بطرق وأدها، فهناك من جعلها كلها عورة ومادة غواية، وحبسوها في بيتها وقالوا لها وحدك تتحملين خطايا الرجال، أطّروها في أدوار محددة وقاموا بإقناعها أنها لا تصلح لغيرها.

وآخرين فعلوا بها ما هو أمرّ، فصيّروها وسيلة لترويج مستهلكاتهم، حتى لا تكاد ترى إعلاناً أو دعاية إلاّ وترى شابة تتغنج وتُبدي كل ما ستره الله لتروجّ حتى لعلكة، وتحتار في سرّك متسائلاً أيهما البضاعة!!

ومجتمعات الدنيا تفاوتت صعوداً ونزولاً بين تلك الصور فتراهم حيناً يعتبرون المرأة مخلوق خطير ويجب التحرز منه، فيمارسون لذلك أبشع العادات كختان الإناث، أو في مجتمع آخر تُقتل المرأة لأي شبهة في سلوكها، بينما تراهم في وسط آخر ومختلف لا يتوانوا عن تكريسها جسداً محض ومادة لشّهوة، وتُرصد لهذا ميزانيات ضخمة تسيّرها مافيات  للإتجار بالرقيق الأبيض، أو أن يُلبس هذا الواقع لباس عصري عالمي لإعطائه الشرعية كمسابقات ملكات الجمال والذي تكون فيه المرأة كجثة جميلة لا روح فيها.

إن المرأة استغلّت في كل سوء، ولم يدّخر عباقرة الشر طريقة إلاّ وسلكوها من خلالها، فقد استُخدمت في مجال التجسس لكشف معلومات، وكذلك لتُضّعف بإغرائها أي هدف–رجل- يراد إبعاده أو التخلص منه وكان جسدها هو ملعب الإنتصارات.

وحتى التنظيمات المتطرفة لم يغفلوا إستغلالها، فتراهم يفخّخون جسدها  تحت السواد المفروض عليها ليدفعوا بها للقيام بعمليات إنتحارية.

إن المرأة اليوم وياللأسف تتقلب من وأدٍ الى وأد، وهي الإنسان الذي خلقه الله ليعمّر الكون مع توأمه الرجل، المرأة في حقيقتها ليست الصورة التي يحاول الأشرار ترسيخها في ضمير العالم، بل هي الإنسان الكامل المكتمل الواعي المحب والناهض لأجل الحق.

كانت أول من آمن بدعوة الإسلام (خديجة)، وهي التي حملت كلمة الله عيسى وأتت به قومها (مريم)، وهي السيدة العظيمة في كل العالمين (فاطمة)، وهي من حقّقت البطولات في كل ساحات الخير، وهي الشاعرة والمناضلة والعاملة والأم والمفكرة والمخترعة والمبدعة، وإن سردنا الأسماء والشخصيات فلن تكفينا آلاف الصفحات.

لأجل ذلك فلنسترد وعينا المفقود ووعي كل مجتمعات الأرض بأن المرأة ليست ورقة مصالح ومنافع يُلعب بها، ولم تكن يوماً مخلوقة لإشباع شهوات وغرائز، بل هي كائن خلاّق عظيم القدرات والمواهب، ولابد له في كل حين أن ينال المكان والمرتبة التي تليق به.

إن المرأة هي نصف العالم وإن حاول من حاول وأدها  تحت التراب وفوقه، ولو مُزّقت وديس على أشلائها، فستبقى المرأة الإنسانة، الواعية بإنسانيتها والمقدّرة لها، تُعلّم الأجيال معنى العنفوان والإصرار على إثبات أنها إنسان قبل أن تكون أنثى وإنها خليفة لله رغم أنف من يريد لها غير ذلك .. ومنها نتعلّم كيف يكون الوأد نبتة تخرج من تحت التراب.

نعيمة رجب

جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية

Naeimaar@yahoo.com

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *