انتصار من عمق الهزيمة

من منا يعرف “ أنورادا كويرالا”! أو حتى سمع بهذا الاسم من قبل!. إنها امرأة من النيبال، حولت آلامها وعذابها وكل الاضطهاد الواقع عليها إلى ثورة إصلاح وإنقاذ للآلاف من النساء غيرها ممن يعانون. كانت تعمل في تدريس الأطفال في أحد المدارس، بينما كانت تتعرض للضرب اليومي من زوجها حتى أُجهضت ثلاث مرات نتيجة ذلك. قالت مرة في حديثٍ لها “لم أتمكن من العثور على من يساعدني عندما كنت أتعرض للضرب، ولذلك قمت بعد انفصالي عن زوجي بافتتاح متجر لبيع بعض البضائع، واخترت العاملات من ضحايا العنف المنزلي أو الإعتداءات الجنسية”.

وبعد فترة من عملها في المتجر أسّست “أنورادا” قرية نموذجية لاحتضان ضحايا العنف والعبودية الجنسية، وقد أخذت على عاتقها تخليص أكبر عدد ممكن من القاصرات من براثن تلك العصابات التي تمارس هذا النوع من الإجرام، وقد نجحت للآن في تخليص 12 ألف نيبالية من العبودية الجنسية،  حيث يُقدر ضحايا هذا النوع من العبودية بالآلاف من الفتيات النيباليات كل عام، حيث تشهد الحدود النيبالية الهندية تدفق عشرات الفتيات الصغيرات يومياً للعمل في بيوت الدعارة، وذلك بعد تعرضهنّ وأهلهنّ للخداع من قبل تجار البشر حيث يعدونهنّ بتوفير فرص عمل مجزية ومحترمة إلاّ أنهنّ يساقون في النهاية لامتهان البغاء. وقد وقفت “أنورادا” في وجه تلك العصابات ولم تبالي بالأخطار المحدقة، وخلّصت الآلاف من النساء والقاصرات وقدمت لهنّ في قريتها “مايتي نيبال” يد العون والمساعدة وأعادة تأهيلهنّ نفسياً وجسدياً تمهيداً لإعادة دمجهن بالمجتمع من جديد.

“ أنورادا كويرالا” نموذج من النساء لم يعرف اليأس طريقاً إليهنّ ولم يكن الإضطهاد والقهر والعنف لهنّ دافعاً للإنكفاء والإنعزال، بل أضحت آلامهن وتجاربهن القاسية في هذه الحياة أكبر حافز وأقوى دافع لأن لا يجعلوها تتكرر مع غيرهن، وأن يكنّ معول هدم لكل الخراب والفساد في مجتمعهن ويقلبن المعادلة ويصنعن الانتصار من عمق الهزيمة ويكنَّ عنصر التغيير المطلوب والشرارة المفقودة للإصلاح والبناء.

إنّ هذا النموذج هو ما نحتاج حقيقةً إلى استنساخه وتكراره في عالمنا بين النساء والرجال، لا سيما وقد أصبح الشر أكثر انتشاراً وبشاعة والظلم ممارسة يومية، والضحايا من كل لون وشكل يزدادون بؤساً. إننا نحتاج إلى هذا الوعي وهذه الثقافة التي تحتّم علينا أن نتجاوز همومنا في سب يل رفع هموم الآخرين.

حقَّ هذه المرأة أن تُخلد في التاريخ وكذلك غيرها ممن بذلوا أعمارهم للآخرين، وتصبح حياتها وإنجازاتها وما قدمت للآخرين مادة تُدرس لأجيالنا من النساء والرجال ليعلموا أنهم قادرين على إحداث التغيير مهما كانت الظروف.

نعيمة رجب

جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية

naeimaar@yahoo.com

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *