ابنتك الضحية التالية
منذ ثمانينات القرن الماضي بذلت الجمعيات النسائية جهودا مضنية لاستصدار “قانون الأسرة” لتنظيم معاملات الزواج والطلاق والحضانة والنفقة وغيرها بما يضمن حقوق جميع الأطراف بدون تمييز، حتى تكللت جهودهنَّ بالنجاح وتم إصدار القانون الموحّد للشقّين السنّي والجعفري عام 2017.
واعتقد الجميع بأن ذلك سيكون تفعيلا لقوله تعالى “الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ“، الآية التي تبين حدود الله لضمان العدالة والإنصاف.
ولكن لماذا مازالت أصوات شكاوى النساء ومعاناتهنَّ مستمرة في محاكم الأسرة عند طلب الطلاق أو الخلع؟
هناك عدّة تساؤلات ترد بهذا الشأن:
هل بسبب ضعف القانون؟ أو سوء تطبيقه؟
أم بسبب جهل المرأة في الإجراءات أو جور الزوج؟
أو تعنّت القضاة في استخدام صلاحياتهم في تنفيذ القانون؟
جميع هذه التساؤلات وردت في ندوة ألقاها أحد المحامين تحت عنوان “سبع سنوات على سريان الشق الجعفري من قانون الأسرة وصعوبات الطلاق لازالت قائمة”، وتطرّق فيها لما يدور في أروقة المحاكم من تجاهل لمعاناة النساء وما يتعرضنَّ له من أنواع العنف والانتهاكات من قبل أزواجهن، فباتت قضايا الطلاق وسائل لاستباحة كرامتهنَّ وإنسانيتهنَّ.
أثناء الندوة تحدثت بعض المتضررات عمّا مررن به من تجارب يدمي لها القلب، فمنهنَّ من قالت: “أنا معلّقة لسنوات رغم إثباتي للضرر المادي والمعنوي أمام القاضي”، وأخرى أباحت بكل خصوصيات حياتها: “زوجي لم يترك موبقة حتى قام بها وقدّمت الأدلّة الدّامغة للمحكمة، ورغم ذلك أخبرني القاضي بأن الزواج تنازل، فقد تنازلت حتى عن إنسانيتي وأبنائي ولم أحصل على الطلاق بعد”، وصرّح أحد الرجال: “مرّ على ابنتي أربعة أشهر لم ترَ فيها أطفالها لتعنت زوجها وتجاهل المحكمة لطلبها”.
وداخلت محامية من الحضور: “بعض الرجال يتّخذ من طلب الخلع وسيلة لابتزاز المرأة لتتنازل عن أبنائها وحقوقها، أو يطلبون مبالغ طائلة ليس في مقدور الزوجات تسديدها، وبدون خجل يجهرون بالإمعان في إذلالهنَّ”، حتى صرخت إحدى ضحايا المحاكم: “نريد رجالا لا ذكورا”.
لسنا في هذا المقال بصدد الدخول في تفاصيل القانون أو حتى مخاطبة ضمائر المتسببين في الضرر، إنما توجيه الحديث للمعنيين من أصحاب القرار بأهمية إيجاد إرادة حقيقية للتعديل واتخاذ خطوات صادقة للتفعيل بما يتناسب والحياة المدنية التي نحياها والانفتاح على العالمية ودخول المرأة في جميع مفاصل الحياة العملية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
السؤال الذي يتكرر: أين كلمة الله بالتسريح بإحسان؟ أين تفعيل القانون؟ أين سلطة القضاء؟
هل بالضرورة أن يمرَّ صاحب القرار بتلك المعاناة أولا حتى يتحرك خطوة في سبيل التغيير؟ ألا يدور بخلده يوما قد تكون ابنتي هي الضحية التالية؟
بقلم: م.صبا العصفور
استجابات