من أرسى السفينة؟
أقيمت احتفالية على متن سفينة كبيرة، رَحَّبَ عريف الحفل بربّان السفينة ليلقي كلمة الافتتاح قائلا: “لنرحّب بمن أرسى السفينة بأمان”، إلّا أن الربّان أجابه في كلمته: “لست أنا فقط من أرسى السفينة، بل كلنا جميعا من قام بالعمل”.
عبارة جميلة من قائد لناقلة عظيمة تتحدى ظروف مناخية صعبة كي تصل إلى برّ الأمان بما تحمله من عباد وعتاد، عبارة تتضمن امتنانا لفريق عمل يقوم برحلة جماعية والنجاح فيها مشترك، وليس لأحد أفضلية على الآخر لأنهم في العمل سواء.
كيف لسفينة أن ترسو على رصيف الميناء بأمان مالم تتناغم تروس وأجهزة محركاتها، وحُسن إدارة المهام التي تُزاول على متنها؟ فهل يمكن أن يتحقق ذلك بوجود قائد غير ملّم ببيانات وطِباع طاقمها؟ أو مهندس غير مشرف على انسيابية حركة أجهزتها؟ أو حتى بدون طباخ لإعداد طعام عمّالها؟ أو عامل نظافة لكنس مرافقها؟
على جانب آخر قبل ردهة من الزمن، شهدت موقفا أثناء بداية عملي كمهندسة مدنية على أحد المواقع لمشرف مشروع إنشائي صغير يجلس في الظل، بينما بقية العاملين يحفرون بجد تحت حرارة شمس الصيف الحارقة، ويوجه لهم الأوامر -وليس التعليمات- بفوقية وتعالٍ، ولا يسمح لأحد بلحظات استراحة في غير الأوقات الرسمية المحددة تحت عنوان “الالتزام بالقانون” وفي نهاية المطاف يستأثر بشكر المسؤولين على الإنجاز.
مفارقة عجيبة لأسلوب ربّان سفينة يقود عشرات الموظفين من المهندسين والإداريين والعمّال لمنشأة صناعية عظيمة، مقابل مشرف حفريات -مع كل التقدير والاحترام لجميع المشاريع- يتأمّر بضعة عاملين، فكلاهما يريد أن يتمّ مهمته بنجاح، فالأول يتمّه مع تقدير وامتنان فريقه قبل مسؤوليه، أما الآخر فيتمّه بامتعاض ولعنات فريقه رغم شكر مسؤوليه، فأي منهما الذي وصل بمركبته بأمان؟
الوصول الآمن لا يعني فقط انتهاء المهمة بتحقيق الأهداف المنشودة القابلة للقياس حسب تعريف علماء الإدارة، إنما بتحقيق أكبر قدر من القيم الإنسانية المصاحبة لهذه الأهداف، فلا يمكن غض الطرف عن وجع موظف وعامل أهلكه التعب أو الاحتفاء بموظفة رزقت بمولود جديد، أو رفض مكسب جانبي لا يتوافق مع الهدف المعلن.
سفننا ومراكبنا في الحياة كثيرة، نتشارك فيها مع عدد غفير من الناس بمختلف مشاربهم، ولكل منهم دور وأهمية فيها كما لكل مسمار في أجهزتها، فكيف لنا أن نرسيها على برّ الأمان ونكون عليها قادة لا آمرين؟
بقلم: أ. صبا العصفور
استجابات