عرش الملوك الجزء الأول

كنت أخفي عين وأراقب بعين، متحصّنة بعباءة أمي ملتصقة بها، كنت طفلة صغيرة أصاحبها لخيّاطة تسكن غير بعيد لبيتنا، إنها الزيارة الأكثر إلهامًا لي كطفلة مع أمي، لذلك البيت المشمس والنظيف.. والبسيط، ولتلك المرأة التي حينها انطوت فيها أجمل أحلامي، إنها المرأة التي كانت تخيط لأمي ملابسها.

أدخل بيتها وأراها بغرفة وسط الدار مع ماكنتها وأقمشتها والنساء المرتادات حولها، هذه المرأة المبتسمة التي تعمل.. وتوادد من حولها، أراها تتقافز بين ماكنتها وبين قدر طعامها ولا تنسى إطعام الدجاجات ، كما وتذهب سريعًا لطفلها تغطيه وتعود مرة أخرى لماكنتها تشتغل وتحدّث النساء.

هذه المرأة بدت لي حينها كملكة متوّجة في أسطورة أتمنى أعيشها في يوم ما، رأيت الشمس في بيتها وامرأة تعمل وتربي ولديها دجاجات، ومكانها نظيف ولا تتوقف عن الابتسام، بدا لي حينها إن أجمل ما بالحياة تملكه هذه المرأة.

في مقاييس اليوم يُعرف هذا الحال بأنه فقر وعوّز يلجئ امرأة تعمل خياطة متواضعة لتطعم أبناءها، لكنني لم أراها هكذا في يومها وأنا طفلة.. ومازلت لليوم وقد كبرت أرى هذه الحياة هي أسطورة جميلة، بل حقيقة أجمل ما ينبغي ان تُصنع في حياة كل امرأة، أن تبقى عزيزة وقوية رغم كل شيء، وفي عسرها تظل معتمدة كدّها وجهدها دون أن تعتاز أحدا، وأن تبقى مع كل شيء مبتسمة ومشرقة مهما ساءت الأوضاع، هذا هو عرش الملوك في مخيلتي لو صارحتكم ما أراه، أن يعيش الإنسان كما عاشت هذه المرأة.

أتمنى لو كنت أعلم أين هي اليوم أو هل هي مازالت على قيد الحياة؟!، أتمنى ألقاها لأقول لها، إنها صنعت في يوم.. ومازالت.. أجمل أحلامي.

مقالات ذات صلة

صنعت مني قارئة

فتحتُ عيناي منذ صغر سني في السنواتِ الأولى من عمري وقبل تعلم القراءة والكتابة على قصصٍ كــ “ليلى والذئب” و”سندريلا”، “بياض الثلج” و”الأقزام السبعة”، التي…

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *