الزواج والاستقرار

كثيرا ما نسمع النداءات إلى الشباب “تزوج كي تستقر” ومن جانب آخر نسمع “استقر كي تتزوج”، إذن أيهما يأتي أولا الزواج أو الاستقرار؟

جاء النداء الرباني حين خُلِق الإنسان يا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ“، فجعل السكن والزواج متلازمين، ليرفد كلٌ منهما الآخر، فالاستقرار هو حجر الأساس لخلافة الأرض وإعمارها، لأن الزواج سنة الحياة وضرورة لابدَّ منها.

ولو نعود بالزمان للوراء لم يكن تأجيل الزواج خيارا لدى الإنسان في جميع الثقافات، فمن اشتدّ عوده واستطاع المكسب يشرع مباشرة ليتزوج، لاعتباره مكمّلا لدينه أو لبقائه أو لإنسانيته، ومهما اختلفت المسميات يبقى مطلبا أساسيا لحياة الفرد.  

حينها كانت الحياة بسيطة ومتطلباتها قليلة وفي متناول الجميع، فلم يكن الارتباط مكلفا ماديا، ومسؤوليات كلا طرفي العلاقة واضحة ومحددة، وحتى التحديات غالبا في حدود التوقعات، لذلك كانت الأمور بعيدة عن التعقيد، وإن حصل مكروها استنفر الجميع لحلّه والانفصال لم يكن من ضمن الخيارات.

واستمر هذا الوضع الى منتصف القرن الماضي، وحين بدأ الغرب في عملية التحوّل نحو منظومة الاستهلاك والتوجّه نحو الفردانية وتم تصدير هذه الثقافة للشرق، برزت ظواهر جديدة ومعانٍ مختلفة للحياة، كالحرية بمفهومها المنفلت الخالي من المسؤولية ليعيش الشخص مُلبيّا رغباته وغرائزه، وصرفه عن أي ارتباط يستنزف جزءا من مشاعره أو وقته أو ماله من أجل الآخرين.

ومن الظواهر أيضا هو عبارة “لِمَ العجلة بالزواج، ليستمتع الفرد بحياته” فما هو مفهوم المتعة التي تؤجل واجبا دينيا وأخلاقيا وإنسانيا؟ والتي أدت إلى عزوف الشباب عن الزواج، خوفا من تحمّل المسؤولية وخسارة المكتسبات المادية.

لذلك استصعب الشباب قرار الزواج لارتفاع مستوى التوقعات وتجنّبا للمسؤوليات وقلة الوعي بالتحديات المترتبة عليه، ولامتناع كل الأطراف عن المرونة في حل المشاكل أو تقديم التنازلات لتسيير الأمور، فكان الانفصال وهو أسهل الحلول بنظرهم.

وهذا العزوف لا يخص فئة الرجال فحسب، بل يشمل شريحة لا يستهان بها من النساء أيضا، خاصة تلك التي تتمتع باستقلالية اقتصادية وأصبحت لا تشعر بحاجة وجود رجل في حياتها، وكأن الرجل هو بطاقة ائتمان مخصصة للصرف وليس شريك حياة.

قوام بناء المجتمعات السليمة هو الزواج وذلك لتكوين أسرة صالحة، فهو الأصل والفردانية استثناء، وإصلاح مشروع الزواج ليس عملية اختيارية بل واجبة على كلا الطرفين، وإن لم يكن مستقرا ليستقر، أو مستقيما ليستقيم لا كفرد وإنما كأسرة.

بقلم:م.صبا العصفور

مقالات ذات صلة

تشكيل الهوية الفطرية (الجنسية) للطفل، متى؟

يعتقد البعض عندما يسمع مصطلح الهوية الفطرية أو الجنسية، بمعنى أن يتعرف الطفل على هويته كذكر أو أنثى، بأنه إما أمر لا يجب التفكير فيه فهو تلقائي أو أنه أمر نحتاج أن نفكر فيه ونهتم بأمره عند اقتراب الطفل من سن البلوغ. ولكن الهويات بشكل عام هي قواعد أساسية لدى الإنسان، لذلك فإنها تتشكل منذ سنوات حياته الأولى.. فالهوية الجنسية تبدأ  بالتشكل في…

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *