أذرع الخير ممدودة

شهر رمضان له خصوصية تختلف عن بقية الأشهر ليس فقط بسبب طابعه الديني والروحاني بالعبادات والطاعات، إنما أيضا لالتزام جميع أفراد الأسرة النووية بالمشاركة في وجبة الإفطار، حيث تتفرّق الوجبات خلال بقية أيام السنة لاختلاف أوقات العمل والارتباطات الأخرى، وحرص غالبية الأسر على صلة الأرحام والتواصل الفعّال، ومبادرة بعض أفراد الأسرة على تجربة أصناف جديدة من الطبخات ومشاركة الأخبار الاجتماعية والمستجدات، فهو شهر العودة للفطرة السليمة.

وهذه جميعا مظاهر إيجابية للشهر، ولكن للأسف تبرز بعض المظاهر السلبية والتي قد تتسبّب في مشاكل للأسرة، فمثلا تغيير الروتين اليومي كنظام الأكل والعادات والسلوكيات، بدوره له تأثير مختلف على النفس البشرية سلبا أو إيجابا، فرغم أهميته الصحيّة والروحية والنفسية، إلا أن هذا التغيير قد يُسبّب اضطرابا لممارسات فئة ليست قليلة من الناس، فتغلب عليهم العصبية والتوتر والغضب، وقد يطال العلاقات بداخل الأسرة على عدة أوجه منها:

مشاكل اقتصادية: بزيادة نفقات الأسرة بشراء منتجات غير ضرورية ترهق ميزانية الأسرة، وقد يقبل رب الاسرة على الاقتراض من أجلها، كالهوس بمشتريات (تريند) كالجلابيات بشتى أشكالها وزينة رمضان غير ملابس العيد، ومتابعة وصفات الطبخ الجديدة وتكون (تريند) عبر وسائل التواصل والرغبة في تجربتها، فتلجأ ربة الاسرة الى ارتياد البقالات بشكل متكرر لاقتناء مستلزماتها، إضافة إلى التنوّع في الأطباق على سفرة رمضان خلاف المعتاد، كما الاقبال على المناسبات الاجتماعية بشكل مبالغ كارتياد الغبقات وإقامتها لتشكّل أعباء مالية إضافية، وأثبتت الاحصائيات في مملكة البحرين ذلك حيث سجلت ارتفاعا بمقدار 50% عن فائض الطعام اليومي ما يعادل 600 طنا.

مشاكل اجتماعية: التزام رب الأسرة وأحيانا أفراد أخرى كالأم في المشاركة في المجالس الرمضانية أو الغبقات أو الصلوات أو حلقات الذكر طوال ليالي الشهر، فتزداد الشكاوى من غيابه أو غيابها، كما أن الرغبة في تنوّع الأطعمة تزيد الضغط على ربة الأسرة أو العاملة المنزلية، فتتوتر المعاملات وتزداد حدّة الانفعالات، وكذلك الانقطاع عن التدخين أو القهوة يسبّب حدّة في طباع المدمنين عليها، وبسبب روحانية الشهر يرتفع مستوى التوقعات من بعضهم البعض بحسن المعاملة ولكن للأسف يُصدمون بخلافها، علاوة على تغيير مواعيد النوم وكثرة السهر تربك الساعة البيولوجية وتؤدي للكسل أو الإخلال بقيامهم بمسؤولياتهم وواجباتهم الأسرية والعملية والتعليمية وما يترتب عليها من نتائج.

الإعلام: انشغال الناس بالبرامج التلفزيونية والمحطات الفضائية والمسلسلات والتي قد تخلو من القيم الإسلامية والاجتماعية السليمة، وتكثر بها السلوكيات والكلمات غير اللائقة، فتزعزع الثقة في الروابط الأسرية وتشغل الشباب بالقضايا السطحية، وبسبب إغراق وسائل الاعلام بالدعايات المتعددة لأصناف الطعام والأزياء والكماليات، فيزداد شغف المتابعين لها وتحرفهم عن الهدف من الشهر الفضيل، وتوجّههم للاستهلاك غير المسؤول.

إلا أنه وبرغم تلك السلبيات يمكن ملاحظة تحسّن العلاقات الأسرية لزيادة التواصل واللقاءات الحميمية بين أفراد الأسرة والمعارف والأقارب، واستثمار كرم الشهر في المصالحة وإعادة الروابط والوصال مع الأطراف التي كانت بينها خلافات أو خصومات.

انقضى شهر رمضان، ولكن لم تنقضِ أيام السنة، فمازالت أبواب السماء مفتوحة وأذرع قيم الخير ممدودة لمزيد من ترويض النفس بالتسامح والمحبة والرضا والقناعة.   

بقلم : م.صبا العصفور   

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *