طابور الحاجة

عندما تريد أن تقيس مقدار تقدم وتحضّر الأمم، فإنك ترى الطوابير المنتظمة للحصول على الخدمات والحاجات من المؤسسات المعنية، وهي علامة فخر بأن كل شخص يعرف أدواره وحقوقه وواجباته ويحترم كذلك أدوار الآخرين.  

ولكن من جانب آخر نرى طوابير وقوائم لأنواع من الاحتياجات تدعو للتأمل ومحاولة استقراء أسبابها!

تطالعنا وسائل التواصل بطوابير لشباب يبيتون ليلتهم في الطريق العام أمام شركات الاتصالات ليكونوا أول من يحرز أحدث نسخة من الهواتف الذكية، ونرى بشكل يومي في نشرات الأخبار تزاحم طوابير اللاجئين والنازحين لدرجة الاقتتال للحصول على وجبة غذائية من مؤسسات الإغاثة.

بالإضافة للطوابير، توجد أيضا أنواع من قوائم الانتظار، أحدها بأسماء الأثرياء لدى محلات العلامات التجارية المشهورة لصناعة أحدث حقيبة من جلد التمساح الطبيعي، وأخرى بأسماء الفقراء والمعدمين للصدقات والمعونات والملابس المستعملة.

وهذه الطوابير والقوائم تقوم عليها الدراسات الاقتصادية وميزانيات الدول وسياسات الحكومات واحتكار الشركات، ولكن من جانب آخر هناك طوابير وقوائم انتظار لا تُعطى أهمية كما السابقة وهي أيضا تستحق التأمل وتسليط الضوء عليها.

مثل طابور النساء في محاكم الأسرة ممن يردن الإنصاف في قضاياهن وحقوقهن المضيعة بين ردهاتها أما لتسلط وعجرفة الزوج أو لبطء الإجراءات الروتينية وضعف القوانين، فنرى طابور لطلب الطلاق، وطابور لطلب النفقة وآخر للحضانة وغيره للمأوى والسكن.

وقائمة لنساء يطالبن بحصول أبنائهن على جنسيتهن بسبب زواجهن من رجال مختلفي الجنسية، وكأنها تُعاقب لاختيارها الإنساني فيمن يشاركها حياتها ومستقبلها فتعامل الدولة أبناءها الموطنين بالانتماء فعليا وكأنهم أجانب بالهوية.

وقائمة “مرفقة” لطلبات المساكن التي توفرها الدولة للمواطنين من خلال وزارة الإسكان، وهذه القائمة لنساء يُشترط عليهم إما يكنّ مطلقات أو أرامل لكي ينلن حق كفلته الدولة لرعاياها.

طوابير وقوانين تنتقص من حقوق المواطنة للمرأة وتنتهك من كرامتها وخصوصيتها، طوابير لا تكافئ الرجل بالمرأة فحقوقه مكفولة أما هي فتخضع لمشرط الفروع والاستثناءات من الدساتير والقوانين والتشريعات.

قوائم لقضايا إنسانية بالدرجة الأولى، يستفيد منها المرشحون من النواب فتدرج في برامجهم الانتخابية لكسب الأصوات، ولكنها تبقى حبيسة الأدراج طوال الفصول التشريعية.

وطوابير ممتدة على أبواب المؤسسات لشابات بذلن الغالي والنفيس لنيل شهادات عليا ينتظرن وظيفة ملائمة، ولكن للأسف أدرجت أسماؤهن في ذيل القائمة لأنهن “إناث”، وطوابير خلفية لفتيات أطلق عليهن لقب “عانس” لمجرد أنهن لم يوفقن للزواج من الشخص المناسب وكأنهن صرن عالة على أهاليهن والمجتمع.

قضايا لا تكون في أولويات السياسات والتشريعات لأصحاب القرار بل تترك لما توفر من الوقت والميزانية، أو لتلميع الصورة إعلاميا.

ألا نستحق أنا وأنتِ أن تُكتب أسماؤنا في قائمة لمكتسبات إضافية فيها مساواة في المواطنة والحقوق الإنسانية، أو الوقوف في طابور للحصول على خدمات الدولة أسوة بالرجل؟ قوائم وطوابير لحقوق بدون انتظار استثناء أو استعطاف أو شفقة من مسؤول ومتنفذ!

ففي أي طابور نقف؟ طابور الحاجة أو الاستجداء أو الإسراف؟

بقلم. م. صبا العصفور

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *