ويبقى الأمل

في إحدى السنوات، وفي لقاء مفتوح مع أولياء أمور الطالبات، حيث كان محور الحديث يدور حول تنشئة الأبناء  والدور البارز والفاعل الذي تلعبه الأسرة في ذلك، ومحور آخر حول المتابعة المتوازنة، والمساندة الفاعلة للأبناء في المجال الدراسي، الذي يؤدي إلى رفع مستوى التحصيل الدراسي لديهم، وبعد الانتهاء تم فتح باب المداخلات، حينها تحدثت إحدى الأمهات بحرقة قلب، قائلة: أستاذة نحن نبذل الجهد مع الأبناء، وترانا نحرص على سلامتهم، ونراقب تحركاتهم وأصدقاءهم، ولا نرتضي لهم إلا ما نراه يصب في مصلحتهم،  والكثير من الأمور التي تضمن سلامتهم، ولكنهم عندما يكبرون قليلًا تراهم، يسيرون عكس ما هو مأمول ومتوقع، وبعد انتظار الثمر، نجني الحنظل.

في تلك اللحظات، لم يكن من المناسب أن أخوض مع الأم حوارًا حول كيفية متابعتها، وما هو مفهوم الحرص والمراقبة لديها، وهل تكمن عناصر نجاحنا معهم في قول افعل أو لا تفعل ، وما الذي تقوم به حيث ترى مصلحتهم فيه، والحديث يطول حول ذلك، بقدر ما كانت بحاجة إلى باعثِ أمل، وسكون نفس، وطمأنة قلبها؛ لترى بأن لا بد لجهودها من أثر، وعطائها سيتم جني ثمره، وإن طال زرعه، كونه عطاء حقيقي وليس مجرد خدمات تُقدّمها لأبنائها، وتعريفها بأن الطبيعة تُعيد لنا ما نزرعه فيها.

فأبناؤنا بذور نقوم بزراعتها، فترانا نحرص على توفير كل ما يضمن سلامتهم، وكذا نموهم السليم بجميع تفرعاته، كما نحاول بشتى الطرق، حمايتهم وإبعادهم ما أمكن عن أصدقاء السوء، فترانا نبذل كل جهد من أجل صلاحهم، وتنشئتهم بطريقة سويّة، ونصبر على ما نواجهه من تحديات وصعاب في مسيرتنا معهم، و من الجميل خلال هذه المسيرة مع الأبناء، أن نبحث عمَّا تحوي قلوبهم من خير وجمال، لنكون قادرين على التعامل معهم، وفهم مكنوناتهم؛ ليكونوا ما أمكن على استعداد لتخطي العقبات، وتحويل ضعفهم إلى قوة ، فهذا ما يجعلهم راسخين ، ثابتين، على ما تم زرعه فيهم، عوضًا عن البحث عن عثراتهم، وإخفاقاتهم، وخطاياهم، ومن هنا لا نسمح للوهن واليأس أن يتسلل إلى نفوسنا، أو الاستسلام للتحديات، ونستحضر دومًا ثمرة زرعنا أمام أعيننا “ولد صالح يدعو للخير لنفسه ولغيره” ، فهذا سيهوّن علينا ما نلاقيه من تعب ومشقة، وسيدّب الأمل دومًا في عروقنا، وخلال مسيرة تنشئتنا لهم.

فلنسقي بذورنا ” أبنائنا”، ونرعاهم بمحبة، ونصبر ونتحمل معاناتهم، ونحمل في أعماقنا، أمل رؤية خيرهم، بقلوب يغمرها الأمل، و نتيقن بأن ما قمنا ببذره، سيُحصَد ثمره الذي لا بد من جنيه وإن طال الزمن .

بقلم أ. نجاح إسماعيل

مقالات ذات صلة

شُكراً أبي

لفت نظري عدد التسجيلات والنكات والقصص التي تتحدث عن الآباء وطريقتهم (الدفشة) أحياناً في التعامل مع الأبناء، فوجدت أنها ليست نظرة شخصية فقط، بل وأصبحت…

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *