من حقيبة المدرسة إلى نور الرسالة

تطلّ بدايات العام الدراسي بمشاهد تبقى في الذاكرة: حقائب جديدة، دفاتر ملوّنة، وأجواء يغمرها الحماس والأمل. ومع هذه البهجة يتسلّل قلق الامتحانات وضغط الواجبات وطموح النتائج، فتشعر الأمهات وكأنهن يَعِدن خوض المدرسة من جديد مع أبنائهن.

وهنا تهدينا الآية الكريمة: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ قاعدة ذهبية للتربية: النضج شرط لتحمّل المسؤولية، والعلم هبة لمن استوى على عوده. فمتى نتيح لأبنائنا أن يتذوقوا هذه المسؤولية؟

الجواب يبدأ من السنوات الأولى: حيث المربي مرافق يعلّم الطفل تنظيم واجباته وخوض تجارب الامتحان، ولو أخطأ فذلك طريق للتعلم. ومع الصف الثالث ينبغي أن يبدأ تدريبه على الاعتماد على نفسه تدريجيًا، بينما يقتصر دور الأهل على المراجعة والتوجيه. وفي المراحل الأعلى، يصبح الإشراف متابعة سطحية، ليختبر أثر تقصيره ويتحمّل نتائجه.

وفي هذا السياق، نتذكر طفولة النبي ﷺ مع مرضعته حليمة السعدية؛ فقد نشأ بعيدًا عن والديه، محاطًا برعاية حانية، لكنه في الوقت ذاته اختبر معنى الاعتماد المبكر على النفس. فقد عاش اليتم منذ ولادته، ثم فقد والدته في سن السادسة، فتكفّلت به السيدة فاطمة بنت أسد مع عمه أبو طالب. هذه المراحل تُشبه ما نراه اليوم من دور الجدات والمربيات أو سيدات يساعدن الأمهات في متابعة الأبناء. ورغم ذلك، خرج من هذه التجارب قويًّا، صلبًا، مؤهلًا لحمل أمانة الرسالة.

إن التربية الحقيقية ليست في جمع الدرجات، بل في بناء شخصية قادرة على مواجهة التحديات. وما أجمل أن يتزامن موسم الدراسة مع ذكرى مولد النبي ﷺ، تذكيرًا بأن المسؤولية تُبنى منذ الصغر، وأن قوة الرجال تصنعها رعاية محبة وتجارب مبكرة.

بقلم:د.مينا كاظمي

مقالات ذات صلة

طبيعة الجمال

جمال الطبيعة دائما يأسرنا ويدعونا للاستمتاع بالجلوس وبين أحضانها لنملأ أعيننا بروعة ألوانها ودقة صنعها وعبق رائحتها وتناغم مكوناتها على الأرض وفي الماء والهواء.ولكن ما…

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *