العيب في زماننا أم فينا؟
في أمسية رمضانية لطيفة التقيت بعائلة من جيراننا القدامى، فروت لنا أمّهم عن كيفية لقائها الأول بأمي رحمها الله، فقالت: في تجوالي في المنطقة -التي تعتبر من المناطق الجديدة في ذلك الوقت والبيوت قليلة- بعد الانتقال بعدة أيام حيث لم أكن أعرف أحداً، التقيت بأمكِ في الطريق فسلمنا على بعض من باب التعارف وقلت لها أريد تسجيل ابنتي في المدرسة ولا أعرف أين أذهب، فردت عليها أمي: لا تبالِ غداً سأمر آخذ ابنتك مع ابنتي وأسجلهما معاً.
هكذا بكل بساطة وبدون سابق معرفة تم التعارف بين الجيران في ذلك الزمن الجميل، بل وبناء الثقة واستئمان كلٍ منهما للأخرى على بناتها.
وقبل سنوات كنت عازمة على الانتقال لبيت جديد في منطقة أخرى، وبينما كنت وزوجي نعاين منزلاً تحت الإنشاء لمحت إحدى الجارات وهي تهم بركوب سيارتها، فبادرتها بالتحية وعرّفت بنفسي بأنني ربما أكون الجارة الجديدة، فما كان منها إلا أن عبست وقالت بطريقة أبعد ما تكون عن اللباقة: زين زين، ثم أدارت وجهها وانصرفت.
صدمني الموقف، وسألت زوجي: هل تلك المرأة ستكون جارتي؟ فرد عليّ بضرورة التماس الأعذار لها فلربما تمرّ بظرف صعب، لكن حتماً وفي كل الأحوال لن ائتمنها على أبنائي لتسجيلهم في المدرسة.
بالطبع لم يكن ذلك الزمن مثالياً، فقد كان بين الناس رُبّما من هم أكثر شرًا وسوءًا، ولكن كان يحكم المجتمع أطر عامة تسمى العيب والحرام، فغلبت فيه صفات حسنة مثل حسن الجيرة والأمانة والثقة.
وأيضًا زماننا لا يخلو من الطيبين والخيرين، ولكن وللأسف طغت الصفات التي كانت سابقاً استثنائية على العامة كاللامبالاة والتوجس -إن لم يكن سوء الظن- فصارت معياراً للعلاقات بين الجيران والمعارف.
ولم يحدث هذا التغيير بين ليلة وضحاها، إنما بسبب دخول ثقافات أخرى عبر الانفتاح على مجتمعات أخرى غربية وشرقية، ناهيك عن الإعلام الذي غزا البيوت من خلال شاشات التلفاز ابتداءً من ستينيات القرن الماضي وتطوّر مع الزمن ليصبح أداة في يد كل طفل وشاب وشيخ كبير، فلا مناص منه ولا مهرب، ليقطع صلة الإنسان بخالقه ليتمحور حول ذاته وشهواته، همّه الاستهلاك والمتعة، فتحولت واستبدلت القيم ومكارم الأخلاق بأخرى أنانية وجشعة.
فالعيب ليس في الزمان، وإنما نحن من تغيّر وأعاب الزمان.
نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا
وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا
وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ
وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا
بقلم: م.صبا العصفور
استجابات