هل أعددنا أنفسنا للكوارث؟

دعونا نتساءل لوهلة، هل تخيلنا يوماً أننا سنمر بكارثة طبيعية ؟ وهل نحن مستعدون لمواجهتها؟ فالكوارث الطبيعية تزهق أرواح أعداد كبيرة من سكان الأرض، خذ على سبيل المثال الزلازل التي تعتبر من أكثر الأخطار فتكاً بالمجتمعات ليس فقط على مستوى الأرواح فحسب إنما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي أيضاً . لا جدل أن مثل هذه الكوارث تحتاج إلى استعداد بدني عالٍ ربما يستطيع الفرد إنقاذ نفسه أو إن استطاع من حوله أيضاً، لكننا لن نتحدث عن مدى احتياجنا كأفراد للإعداد البدني لمواجهة أي نوع من الكوارث الطبيعية بقدر ما أننا سنتطرق لمسألة ضبط النفس والحفاظ على حالة الاتزان والثبات أثناء وبعد التعرض لأي من هذه الكوارث، تحديداً سنتحدث عن أخلاق الأزمات.

كلنا شاهدنا الزلزال الذي ضرب اليابان عبر وسائل الإعلام، ورأينا مدى ضبط النفس والاحترام والأدب الذي اتسم به اليابانيون في هذه الكارثة المدمرة، فالزلزال أو أي نوع من الكوارث الطبيعية تعتبر ظاهرة كونية لا يمكن تفاديها ولكن يمكن التقليل من آثارها من خلال اتخاذ الإجراءات اللازمة في التنسيق والتعاون المشترك على جميع المستويات، فالدول التي عملت بجد وهيئت نفسها لمواجهة الكوارث من خلال التخطيط والاستعداد قبل الكارثة تصرفت في أوقات الكوارث بثقة عالية ودقة فائقة، وبالتالي كان نصيبها من الخسائر والفوضى أقل كثيراً بالمقارنة مع تلك التي لم تتهيأ ولم تستعد مسبقاً، من هنا يمكننا تطبيق ذلك أخلاق الأفراد في الأزمات ومدى تحليهم بالقدرة اللازمة لضبط النفس، لذا تجد أن الأشخاص الذين تدربوا على أخلاق الأزمات يتدربون عليها وقت الرخاء ويتميزون بتطبيقها عند الأزمات، يقول الإمام علي عليه السلام في وصفه للمتقين: “في الزلازل وقور، وفى المكاره صبور، وفى الرخاء شكور”.

(ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين ( البقرة15، تحدثنا الآية عن بعض الابتلاءات التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان مثل الخوف والجوع والنقص في النواحي المادية، والصابرين هم الذين لهم البشرى وهذا تأكيد على أهمية التحلي بمكارم الأخلاق أثناء الأزمات والكوارث، فنقص الأنفس مثلاً ليس شرطاً أن يكون بالمعنى الدارج أي الوفاة وإنما ممكن أيضاً أن ننتقص من أنفسنا عندما نهلع ونجزع وننسى ذكر الله سبحانه، وكما أسلفنا فإن مواجهة الأزمات تحتاج إلى استعداد وعمل جاد فكما يتم الحرص على بناء وتشييد المباني بطريقة آمنة تحسباً لتعرضها للكوارث، أيضاً البناء الجسدي الآمن مهم للعمل على اكتساب بعض المهارات الأساسية للعيش كالسباحة لمسافات طويلة، والتعود على أكل ما لا تشتهيه النفس، وتعلم الإسعافات الأولية، ومعرفة طرق الاستفادة من جميع الموارد التي حولنا، جنباً إلى جنب التحلي بالأخلاق الفاضلة كالتسامح والتعايش السلمي والإيثار وخدمة الآخرين.

وكما تصيغ الدول خطط التأهب للطوارئ للحد من المخاطر وتوفير التدابير التي تضمن استمرارية الحياة الأساسية بعد الكارثة فعلى كل فرد أن يتصور لنفسه خطة طوارئ ومعرفة كيفية التعامل بصبر وعقلانية مع الأمور وتحديد الأولويات بالنسبة له مع مراعاة حدوث أشياء غير متوقعة، ولا ننسى في خضم هذه الأزمات أطفالنا الذين هم الأكثر عرضة للخطر الناتج عن الكوارث من خوف وضياع وفقدان السكن والأهل لا سمح الله، لذا علينا تعليمهم ثقافة السلامة والصلابة وضبط النفس وحسن التصرف وهذا من شأنه التخفيف من بعض الإحساس بالضغط النفسي الذي ينتابهم.

نختم برؤية الأمل عند الألم، فواقعاً نحن باستطاعتنا إدارة الأزمات من خلال التمسك بالأخلاق وإن تخلى عنها من حولنا وخير دليل قوله تعالى (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) المائدة 119، فمن كان صادقاً في ضبط نفسه وتمسكه بالأخلاق، وصادقاً في ممارساته اليومية في حياته السابقة لا شك أنه سينجى من هول هذه الكوارث بإذن الله ولن ينتقص من نفسه شيئاً بل بالعكس سيرتقي بنفسه ويعلو بها، يقول الشاعر أحمد شوقي “ إنـــما الأمم الأخلاق مــا بقــيت…فـإن هـم ذهـبـت أخلاقهم ذهبوا” والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل فعلاً ستكون نهايتنا عندما تنتهي أخلاقنا في أي أزمة أو كارثة نمر بها!؟

حميدة فروتن

جمعية البحرين النسائية

Hameeda_frutan@hotmail.com

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *