أسمـاء رجـب: (نزاعات الدول الإسلامية وانهيار السـلام المجتمعي يخدمان الآخـر)
المنامة: حمدي عبد العزيز
الانخفاض في مؤشر السلام العالمي وتوسع جغرافيا النزاعات في العالم الإسلامي، دفع جمعية البحرين النسائية والمؤسسة البحرينية للمصالحة والحوار الوطني، إلى تنظيم دورات تدريبية للشباب حول “السلام المستدام”، الذي ينطلق بالأساس من الخبرة الإسلامية، مستفيدًا من الخبرات الإنسانية، ومتجاوزًا كل صعوبات الواقع، من أجل وضع لبنات على طريق السلام النفسي والأسري والاجتماعي.
موقع (شؤون خليجية) التقى أسماء رجب القيادية النسائية البحرينية، ورئيسة برامج المرأة بجمعية البحرين النسائية، في حوار خاص وشامل، حول مفهوم السلام المستدام بأشكاله المختلفة، حيث أكدت في البداية أن الورش التدريبية تسعى إلى تعزيز الوعي بأن السلام مع (الآخر) داخل المجتمع الواحد يحقق التكامل وتطور الإنسانية، أما الاعتقاد بأنه “مصدر تهديد”، فحتمًا سيقودنا هذا إلى النزاع والصراع معه، لأن في وجوده تهديد لوجودنا.
** نود في البداية نبذة عن مؤشر السلام العالمي؟ ووضعية الدول الإسلامية فيه؟
* سأشير هنا إلى جغرافيا النزاعات في العالم الإسلامي، وهي مؤشر لما يحدث لبقية الدول في القارات الخمس:
– من بين 27 دولة إسلامية في آسيا توجد نزاعات بين 21 منها.
– ومن بين 26 دولة إسلامية في إفريقيا هناك 16 دولة منهكة في نزاعات بينية منذ عدة عقود.
– هناك 22 دولة عربية في منظومة دول العالم الإسلامي يتنازع 18 منها.
– في أميركا الجنوبية دولتان إسلاميتان (غويانا، سورينام) بدأتا نزاعًا إقليميًا جديدًا.
– تشهد بعض دول شمال إفريقيا الإسلامية نزاعات حدودية وسياسية.
– وتعتبر منطقة الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية منطقة نزاعات بينية كثيرة.
– مسلمو البلقان في أوروبا هم الوحيدون الذين لم يدخلوا في نزاعات بينية.
– توجد في منظمة العالم الإسلامي 56 دولة تتنازع 37 منها بينيًا، وهناك 19 دولة فقط لم تدخل في نزاع مع دول إسلامية أخرى.
** وما أبرز ما ورد في التقرير السنوي الخاص بمؤشر السلام العالمي لعام 2013م؟
* أهم ما جاء في التقرير:
– العالم أصبح أقل أمنًا وسلامًا بسبب الزيادة المطردة في حالات استخدام العنف والقتل في جميع أنحاء العالم.
– العالم أصبح أقل أمنًا بنسبة 5 في المئة مقارنة بالتقرير الأول الصادر في عام 2008.
– هناك 110 دول أصبحت أقل في درجة السلمية منذ عام 2008، مقابل 48 دولة فقط أصبحت أكثر ارتفاعًا.
– الانخفاض في مؤشر “السلام” يعود إلى ثلاثة أسباب رئيسية، هي: ارتفاع عدد جرائم القتل، وزيادة النفقات العسكرية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وعدم الاستقرار السياسي.
** لماذا اتجهتم إلى التدريب على السلام الآن؟ وما المقصود بالسلام المستدام؟
* أعتقد أننا اليوم نعيش في عالم تسود فيه الحروب والصراعات، وتتعالى فيه أصوات التحريض والتصادم وتغيب لغة الحوار والتفاهم لتسود لغة العداوة والبغضاء، ولابد في وضع كهذا من إعادة رفع قواعد السلام وتعزيز “ثقافة السلام”، فالسلام هو الأساس الذي قامت عليه كل الشرائع والديانات السماوية، وهو الطريق الوحيد لخلاص البشرية من العداوات والخصومات.
والسلام المستدام هو السلام الذي ينبع من داخل الإنسان لتنعكس أثاره على سلوكه الخارجي، وهو السلام الحقيقي لأنه نابعٌ من أعماق الإنسان فيمارسه لقناعة وإيمان راسخ. فهو أي (السلام)، ليس سلوكيات مجردة من القيم بل يرتكز على مجموعة من القيم والمبادئ الحاكمة لثقافة السلام، كقيم المحبة والعطاء والتسامح واحترام التنوع والاختلاف وغيرها، فكلها قيم أساسية يشكل الإيمان بها أسسًا في عملية تحقيق السلام في أي مجتمع.
** ما أهم أشكال السلام؟
* نعتقد بأن السلام الداخلي هو أهم أشكال السلام، فالسلام الحقيقي لا يكون إلا من صنع الإنسان نفسه، ولن تجد له وجودًا حقيقيًا في الواقع الخارجي إلا بعد أن يمتلأ الإنسان سلامًا في داخله، وما عدا ذلك فهي مظاهر خادعة للسلام لا تلبث أن تزول حينما يتعرض هذا الإنسان للاختبار فيظهر على حقيقته، ففاقد الشيء لا يعطيه، والميدان الأول هو النفس فإن عجز عنها كان أعجز عن غيرها.
السلام الأسري أيضًا يعتبر أحد أشكال السلام الهامة التي نسلط الضوء عليها، فالأسرة هي أصغر كيان وهي قلب المجتمع، وبالتالي تحقيق السلام المجتمعي يعتمد بشكل أساسي على السلام في الأسرة، فحين تغمر المحبة والتفاهم والانسجام ومبدأ الشراكة بين أفراد الأسرة، تستطيع الأسرة ان تحدث تغييرًا إيجابيًا في المجتمع والمحيط من حولها وتكون لبنة أساسية في صنع السلام المجتمعي، بخلاف الأسرة التي يسودها الصدام والخلاف والجدال. فلا يمكن لأفراد تلك الأسرة أن يساهموا في الحد من الصراع والنزاع وتحقيق السلام في المجتمع. يقول كونفوشيوس «إذا تهذبت حياة الإنسان الشخصية استقامت حياة الأسرة، وإذا استقامت حياة الأسرة اتسقت حياة الأمة، وإذا اتسقت حياة الأمة ساد السلام في العالم». فصنع السلام سلسلة مترابطة مع بعضها فلابد أن نوجد ثقافة للسلام في كل مناحي حياتنا ولا نغفل عن أي جانب منها. لأن الغفلة عن ثقافة السلام في أي جنبة منها ستؤثر بشكل تلقائي على الجوانب الأخرى.
** هل بالإمكان استقاء منهج تدريبي يجمع بين الخبرتين الإسلامية والإنسانية؟
* ما نراه في الحقيقة، أن الخبرة الإسلامية هي الخبرة الإنسانية وليسا شيئين مختلفين للجمع بينهما، فالسلام والمحبة والعطاء والتسامح وغيرها من القيم ما هي إلا قيم إنسانية مشتركة بين كل الأديان. فتسمية دين الله بالإسلام إنما اشتقت من السلامة والتسليم، فما أسلم من لم يسلم الناس من لسانه ويده كما في الحديث الشريف، وكما جاء عن رسول الله (ص): (السلام اسم من أسماء الله تعالى، وضعه في الأرض، فأفشوه بينكم)، فالسلام هو تحية أهل الجنة أُهديت لأهل الأرض. هذه التحية جعلها الإسلام عنوانًا للتلاقي، ودعا إلى الرد بأحسن منها، أمًا الرد عليها بمثلها فواجب، على أن تترجم إلى واقع عملي وإلا كانت كذبًا صراحًا، فإلقاء السلام على الآخر يعني انتفاء حالة الحرب والعداء بين الطرفين أو الشك أو الريبة بينهما.
** البعض ينظر بريبة وشك من مبادرات التلاقي المجتمعي، معتبرًا أنها تخدم أجندات حكومية أو دولية.. بماذا تردون؟
* نحن لسنا أصحاب مبادرة بالشكل الذي أشرت إليه، فالورش التدريبية التي ننظمها حاليًا لنشر ثقافة السلام هي جزء من مشروع (المرأة حاضنة السلام) الذي دشنته الجمعية في يونيو 2013م، للتأكيد على ضرورة مشاركة المرأة وتفعيل دورها في عمليات السلام بجميع مستوياتها ومراحلها، يهدف هذا المشروع إلى نشر “ثقافة” السلام ومفهوم “السلام الداخلي”، والتنشئة الأسرية وفق قيم السلام، وتمكين المرأة وبناء قدراتها المعرفيّة والإدارية لتعزيز دورها الفاعل في بناء وحفظ السلام، مع التأكيد على مراعاة منظور النوع الاجتماعي في جميع المراحل.
فالطبيعة الفطرية لشخصية المرأة وكونها تمتلك عاطفة “الأمومة” التي تفيض بقيم المحبة والعطاء والسلام، تجعل المرأة أكثر استعدادًا لإحلال السلام، فالنساء بشكل عام هنّ الأكثر تضررًا من أثر ونتائج الحروب والصراعات، فنحن نرى سعيهن بكل ما يمتلكن من قوة وطاقة لحماية أولادهن من الفتن والنزاعات، وهو ما يدفعهن أيضًا لاحتضان أي مبادرة يمكن أن تحقق السلام والاستقرار لهن ولأسرهن، والنأي بأنفسهن عن تنفيذ أي أجندات حكومية أو دولية قد تساهم في تقويض أدوارهن في تحقيق السلام.
ولكن هذا لا يعني بأن السلام حكر على النساء دون الرجال، فالطبيعة الإنسانية للرجل والمرأة واحدة على حد سواء، ولكننا نتحدث عن ميل طبيعي فرضته عاطفة الأمومة التي تجعل الأم تحمل على عاتقها مسؤولية حماية أبنائها، خصوصًا في أوقات الأزمات والظروف الصعبة. فالأم هي “المأمن” وهي الحضن الذي يلجأ إليه الأبناء للحماية والشعور بالأمن والاستقرار.
** كيف نصل للسلام المجتمعي في ظل إعلام تعبوي؟
* الفكرة التي نحاول إيصالها في هذا المشروع بأن كل فرد هو مسؤول اليوم عن تحقيق السلام مهما كانت التحديات والصعوبات من حوله ابتداءً من نفسه، نعم نعترف بأن الإعلام اليوم لا يساهم بدور إيجابي في هذا الإطار، ولكننا نعتقد أيضًا بأن امتلاك الوعي حول سبل التعامل مع الآخر وتصحيح النظرة إليه من الأساس ممكن أن يساهم في الحد من تأثير أي إعلام تعبوي. فلا ينجح الإعلام في عملية التعبئة السلبية إلا حينما توجد البيئة والبنية الثقافية الحاضنة والمحفزة لذلك.
فلقد أصبح مجرد الاختلاف في الرأي، ناهيك عن المذهب أو الدين سبباً كافياً لإعلان حرب لا هوادة فيها ضد الآخر، في حين أن الأصل في العلاقات بين بني البشر أن تقوم على أرضية السلام، ليتم التعارف فيما بينهم فيكمّل بعضهم البعض ضمن عملية تواصل مستمرة تهدف إلى تطوير واقعهم من حسن إلى أحسن.
** تتوجهون للشباب والنساء؟ هل سيستمر التدريب؟
* نعم، يستهدف هذا المشروع فئتي النساء من القاعدة الشعبية والشباب من الجنسين بشكل خاص، ولكن لدينا أنشطة وورش تدريبية موجهه بشكل خاص للنشطاء من منظمات المجتمع المدني والعاملين في مجال نشر السلام.
يعتبر قرار مجلس الأمن 1325 (2000) أول قرار يتخذه مجلس الأمن لمعالجة الأثر غير المتناسب والفريد للنزاع المسلح على المرأة. ويشدد القرار على أهمية مشاركة المرأة المتكافئة والكاملة كعنصر فاعل في منع نشوب المنازعات وإيجاد حل لها، وفي مفاوضات السلام، وبناء السلام وحفظ السلام.
التدريب حاليًا مستمر، ولا يقتصر البرنامج على ورش التدريب فقط، بل سيكون للبرنامج عمل مكثف أيضًا على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، في محاولة للوصول إلى كافة الشرائح المجتمعية.
** هل سيكون لعلماء الدين والإعلاميين والحزبيين من المعارضة والموالاة نصيب؟
* لسنا نحن من نقرر ذلك، الفئات التي ذكرتها أو غيرها هي من تقرر إذا أرادت الاستفادة من المفاهيم التي يطرحها المشروع والمشاركة في الورش والأنشطة التي ينفذها. فلا نستطيع الجزم أو الادعاء بأن المشروع سيخلق انعكاسات كبرى على مستوى الشرائح التي ذكرتها، ولكننا نستطيع القول بأن تبنّي مفاهيم هذا المشروع ومحاولة تطبيقها على المستوى الفردي أو المجتمعي يمكن أن يساهم في بناء مجتمع أكثر سلامًا واحترامًا لأفراده بناءً على هويتهم الإنسانية، مجتمع يؤمن بالحوار وبالتواصل الإيجابي بين أفراده باعتبارها أنجع الطرق لتجاوز الخلافات، إيمانًا يتجاوز التنظير إلى الواقع والتطبيق.
** ما أهم التدريبات على السلام المجتمعي؟
* بالإضافة إلى ما سبق، مشروع (المرأة حاضنة السلام)، نحن بصدد تنفيذ ورش تدريبية مكثفة للشباب من الجنسين حول ثقافة الحوار بعنوان (الحوار من أجل السلام )، سيتم الإعلان عن تلك الورش قريبًا.
** هل تستقي الورش تجارب المصالحة في بعض البلدان؟
* نعم، إعداد مادة الورش التدريبية تطلب منا الاطلاع على الكثير من المواضيع التي تصب في ذات الإتجاه، ومنها تجارب المصالحة في إفريقيا وإيرلندا الشمالية والمغرب العربي، كما تم الاطلاع على تاريخ حياة الشخصيات النضالية التي كان لها دور فاعل في تحقيق السلام، كحياة المناضل نيلسون مانديلا ومارتن لوثر كينج وغيرهم من الشخصيات اللامعة على مر التاريخ.
بالإضافة إلى ذلك، فقد اطلعت الجمعية بشكل موسع على الآثار التي تخلفها الصراعات والحروب في حياة الضحايا، وأبرز القرارات والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بحماية الأفراد ضحايا الصراعات، وبالأخص فئة النساء.
** ختامًا.. نبذة عن جمعية البحرين النسائية وأهم أهدافها أو برامجها..
* جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية منظمة استشارية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي لدى الأمم المتحدة، تأسست عام 2001 ومقرها المنامة – البحرين. تعمل الجمعية وفقًا لرؤيتها “تمكين كوادر قائدة في مسيرة التنمية الإنسانية” في تمكين المرأة من ممارسة دورها الإنساني في المجتمع، تعزيز وبناء شخصية الطفل وتعزيز الوعي المجتمعي بأنواع الاعتداء والإهمال، تعميق الحس بالمواطنة، البيئية ومفهوم التنمية المستدامة لدى الفرد والمجتمع، نشر ثقافة السلام وتعزيز دور النساء في تحقيق السلام، السعي لتأكيد دور القيم الإنسانية في النهوض بواقع التنمية الإنسانية في الوطن العربي.
وللجمعية شراكات وتحالفات مع منظمات إقليمية ودولية بارزة تسعى من خلالها إلى تحقيق أهدافها المنسجمة مع الأهداف الإنمائية للألفية، إضافة إلى موقعها الاستشاري في بعض المنظمات الدولية الذي ساهم في بناء علاقات واسعة.
استجابات