حين يصبح الترابط الأسري علاجاً

كانت أمينة  تعيش سعادة غامرة حين أنجبت  توأمها “لطيفة، وراشد” اللذين ملآ  البيت دفئاً  وحيوية. ومع مرور السنوات، بقيت أمنية خفية  تراودها ،  أن يرزقها الله طفلاً ثالثاً . انتظرت طويلًا، اثني عشر عامًا كاملة، حتى تحققت الأمنية… وجاء خالد، وكانت فرحتهم به عظيمة..

بعد عامين بدأت الأم تلاحظ أن خالدا لا يتجاوب معها، ولا ينظر في عينيها، ويميل إلى العزلة.. اضطربت وشعرت بالقلق، فأخذت موعداً مع الطبيب، لمعرفة السبب، وحين انتهى الفحص، تلقت الخبر الذي هزّ كيانها: خالد مصاب بالتوحّد. انهمرت دموعها طيلة الليل، وغمرتها أفكار سوداء: هذا يعني أن خالدا لن يكون طفلاً طبيعياً، ولن يستطيع دخول المدرسة، واللعب مع أقرانه، ولن يفلت من تنمّر هم لأنهم يرونه مختلفاً عنهم.. ثم قفزت أفكارها إلى المستقبل: حين يكبر خالد لن يتمكّن من الارتباط بزوجة وتكوين أسرة.. ومن هي الزوجة التي ستقبل به؟ وهكذا كانت تتسارع أفكارها السلبية بدون توقّف.. وسرعان ما عمّ الحزن والصمت البيت، دخلت الأم في دائرة اكتئاب، ولم يعُد بيتهم الدافئ  مليئاً بالحيوية  كما كان من قبل حين يجتمعون على المائدة، ويتبادلون  أخبارهم ومواقفهم الطريفة مع المعلّمين والأصدقاء ، في تلك اللحظة الفاصلة ظهر دور الترابط الأسري… اجتمع الأب مع لطيفة وراشد، وبدأوا  يُفكّرون في كيفية مساعدة خالد، وانتشال أمهم من دائرة الحزن.  ووضعوا خطة لتقسيم المهمّات بينهم:

  • الأب تواصل مع المختصّين، وشرحوا له بالتفصيل ماهية اضطراب التوحد ، و كيفية التعامل مع خالد  ومساعدته.
  • راشد انخرط في البحث عبر الموارد الإلكترونية مستكشفاً طرائق جديدة للتفاعل البنّاء مع خالد . 
  • لطيفة كرّست جهدها لتكون رفيقة داعمة لخالد، تعلّمه وتلاعبه، وتشاركه في تفاصيل يومه.

هذه الخطوات المتضافرة آتت ثمارها و أدّت تدريجياً إلى تحسّن ملحوظ في تفاعل الطفل:

خالد أصبح يبتسم أكثر، ويتلفظ ببعض الكلمات، وبدأ يستجيب للمحيط من حوله.
أمّا  الأم فعادت ترى الحياة من زاوية  جديدة.  فقد أدركت أن حبها له غير  مشروطٍ بكونه “طفلاً طبيعيًا”، وأن نعمة الله عليها ليست في تحقق الأمنيات ، بل في قوة الأسرة حين تتكاتف. وهكذا كانت النتيجة أعظم من الشفاء:  استعادت الأسرة طاقتها، وأصبح الترابط هو العلاج الناجع.
“إنّ الترابط الأسري لا يُعد مجرد قيمة أخلاقية، بل يمثل آلية علاجية ونفسية فعّالة تساعد الأسرة على الانتقال من مرحلة الأزمة إلى مرحلة إعادة التنظيم والتوازن”

الدراسات المؤيّدة:
فيما يلي بعض الدراسات التي تؤكّد أنّ “الترابط الأسري يعمل كعامل وقائي وعلاجي” للأُسر التي تواجه تحديات:
–  أظهرت الدراسات أن الدعم الداخلي والتكافل العائلي يسهمان في خفض مستويات القلق والاكتئاب، ويعزّزان مرونة
    الأسرة أمام الأزمات[1]

–  تشير الأدبيات إلى أن ظهور إعاقة أو اضطراب نمائي لدى أحد الأبناء يُحدث خللاً في البُنية الانفعالية للأسرة، مصحوباً بمشاعر     الحزن، والإحباط، والخوف من المستقبل [2]– أكّد  عددٌ من الباحثين أنّ استراتيجيات المواجهة الإيجابية—وفي مقدّمتها  التعاون الأسري—تكفل  تقليص آثار الأزمات  وإعادة بناء الاستقرار النفسي والاجتماعي للأسرة [3]


[1] الخطيب، ناصر (2019). *الصحة النفسية للأسرة العربية*. القاهرة: دار الفكر العربي. 

[2] – السيد، سمر (2021). *الإعاقة النمائية ودور الأسرة في التكيف*. عمان: دار المسيرة. 

[3] Anderson, S., & Sabatelli, R. (2017). *Family Interaction: A Multigenerational Developmental Perspective*. Routledge

بقلم :د.وجيهة البحارنة

مقالات ذات صلة

ولنا رأي

اللامتناهي = 1 لا يمكن حصر ما في الكون من التنوّع والتعدد فهو أكبر وأعمق بكثير مما نراه وندركه، وعلى الرغم من كونه لامتناهيا في…

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *