اتحاد الهم
صورتان تشاكستا في ذهني، وأنا أطوف في أروقة المحكمة الشرعية في المنامة. الأولى هي ما أراه أمامي من وجوه لنساء أمضّهنّ الألم والتعب وطول الإنتظار لحكم كان أعزّ من أن ين صفهن، والثانية لمشهد حفظه ذهني لفرط غرابته ولامنطقيته، وهو تلك المسيرة التي ضمت آلاف النساء، اللاتي خرجن معلنات رفضهن لإصدار قانون للأحوال الشخصية.
إنها حقاً مفارقة عصية على الفهم، فماذا أنتجت تلك المسيرة الحاشدة وقد مضى عليها قرابة خمس سنوات، سوى زيادة في القضايا الشرعية المعلقة وزيادة في معاناة النساء والأطفال وزيادة في إستشراء الفساد عند بعض القضاة وأخيراً صرح للعدالة مهزوز.
تكفيك زيارة واحدة للمحكمة الشرعية لتعرف حجم الضرر الذي يقع على النساء في ظل غياب قانون للأحوال الشخصية، وحين ترى الوجوه وتسمع القصص وتسأل عن مُدَد القضايا، ستدرك أيُّ جريمة تلك التي فعلوها بالنساء حين منعوا إصدار الشق الثاني من هذا القانون.
فاليوم محاكمنا الشرعية أضحت داءاً بدلَ أن تكون بلسماً يضمد جراح المظلومات والمهضوم حقهن، واللاتي يُعانِينَ من فقد أزواجهن أو مطلقيهنّ الخوف من الله وشرعه، واليوم أضيفت لمعاناتهن جور وعنت أحكام بعض القضاة ولا أُباليّتهم ، وهنّ اللاتي أتيْن المحكمة مطالباتٍ بالعدل والإنصاف، إلاّ أنهن أُهينوا وأُجترأ عليهنّ لسنين طوال وبقيت قضايا كثير منهن تتأرجح بين أروقة المحاكم، ومصائرهن يحددها مزاج قاضٍ وعناد زوج.
ومن هنا ومن خلال بحثنا عن حل، نطرح سؤال، ربما يكون جدلي وافتراضي لكنه يوصلنا لحقيقة ناصعة، وهو ماذا لو وقفت النساء كل النساء ومن كل الطوائف في بلدنا مع إصدار قانون للأحوال الشخصية كاملاً غير مجزئ وأعلنّ ذلك، أكان بالإمكان أن يقف أحد ضد تلك الإرادة!! لا أظن.. والتاريخ وما رأيناه في مختلف الدول يثبت لنا ذلك.
ولكنّ المشكلة الكبرى أنّ هذا الإتحاد بين النساء متعذر، وذلك لأسباب، أولاها هو جهل أغلبيتهن بهذا القانون وتشويهه في وعيهنّ، وثانيها وهو الحاجز الأكبر والأعظم من وجهة نظري وهو إرتهان إرادة المرأة بما تعتقد أنه مقدس وهو غير ذلك!!!
فلو استطعنا معالجة هذان الأمران لظفرنا بلوبي نسائي يضم كل نساء البحرين ينادي بأعلى صوته لإصدار الشق الثاني من هذا القانون، وبالتالي نستطيع أن نوقف المهازل التي تحدث كل يوم في محاكمنا الشرعية.
إذن لابد أن يكون خطابنا اليوم موجه الى كل إمرأة عارضت صدور هذا القانون، ومناقشتها بل وعمل حملة موجهة الى هذه الفئة ومخاطبتها في كل محافلها، في المأتم والحسينية والجامعة والشارع وفي كل بيت، فالرهان اليوم هو عليهنّ فقط فهنّ الأمل، أمّا التعويل على تغيير قناعات الزعامات والتوجه بالخطاب إليهم أضحى اليوم بلا فائدة ولا جدوى منه ، فهؤلاء لديهم مصالحهم وإن رفعوا شعار الدفاع عن المرأة وعن حقوقها ومكتسباتها!!
إن المرأة البحرينية لا تقبل ما يحدث من إهانة واستغلال وظلم لأختٍ لها في محاكمنا، وهي التي حملت دائماً من قيم الخير والمحبة الكثير، ومن مبادئ الإسلام والتي تدعوا لإتّحاد الهمّ وعدم تجزئته بداع الخصوصيّة، وهي الواعية والمثقفة والمؤمنة والساعية لكل خير وإن خانها التقدير أحياناً.
وأخيراً أقول، يا نساء البحرين اتحدن لتحقيق مكاسبكن المشتركة، وليكن أولها إصدار الشق المتبقي من قانون الأحوال الشخصية، ولا تسمحن لأحدٍ أن يقدم إليكنّ السم على مائدة الدين – وحاشاه ديننا – ولا أن يُزجّ بكنّ ويرهن مستقبلكنّ ووجودكنّ كله بأجندات أناس لم يعرفوا حقكن وقدركن.
اتحدن.. فالريادة الحقيقية في اتحاد الهمّ.
نعيمة رجب
جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية
naeimaar@yahoo.com
استجابات