هل سأبقى على اسمي؟

استقدمت إحدى السيدات عاملة منزلية تدين بالمسيحية من إحدى دول شرق آسيا، وأثناء تعرفهما على ضوابط ومعايير الأسرة، سألتها العاملة: هل ستُبقيني على اسمي؟ تعجبت السيدة من السؤال وقالت: ماذا تقصدين؟

فأجابتها: إن السيدة التي عملت لديها سابقاً عمدت إلى تغيير اسمي وديانتي وألبستني الحجاب وأخذتني لأداء العمرة، فربما أنتِ أيضاً ترغبين في ذلك!

زاد تعجب السيدة أكثر وبادرتها بسلسلة من الأسئلة: هل تعنين بأنها عمدت على تغيير ديانتك إلى الإسلام؟ هل كنت راغبة في ذلك؟ هل اقتنعت بالدين الجديد؟ فأجابتها: لم يسألني أحد! كنت مرغمة على الطاعة خوفاً من فقد وظيفتي.

كثيراً ما تُطالب الناشطات والمدافعات عن حقوق المرأة بتعديل القوانين الأسرية لتشمل عاملات المنازل وذلك لما يتعرضن له من عنف لفظي وجسدي وجنسي وتمييز عنصري بداخل الأسر اللواتي يعملن لديهن، ولكن يبدو أن هناك نوعاً مختلفاً يمكن اضافته للقائمة وهو “العنف العقائدي”. 

قد نتفهم عدم رغبة أسرة ما باستقدام عاملة مختلفة الديانة لتبقى وسط أبنائهم لما “قد” يكون لها تأثير بشكلٍ ما على سلوكياتهم أو بيئتهم، ولكن ذلك في مرحلة ما قبل الاستقدام أو التعيين، وليس بعد توظيفها ومن ثم اجبارها على تغيير ديانتها ومعتقدها. 

فيطرح السؤال نفسه: هل يحق لأرباب العمل -في هذه القضية هي ربة الأسرة- إجبار أو إلزام الموظف بتغيير انتمائه الديني أو الثقافي؟ 

في هذه القضية نجد العنف مركباً بين عنف ضد المرأة وحقوق الإنسان ومخالفاً لقوانين العمل والهجرة والإتجار بالبشر وكذلك انتهاكاً صريحاً للدساتير والمواثيق الدولية.  

فلو نعود لتلك السيدة -ربة الأسرة- فربما نجدها تتعرض لعنف من الزوج كالاستحواذ على راتبها، أو لتمييز وظيفي بتفضيل زميلها الرجل عليها، أو قيود مجتمعية باختيار مكان العمل والتنقل، ولكنها تعطي لنفسها كل الحق بانتهاك خصوصية العاملة والتسلّط عليها لاعتبارها “شغالة” وأدنى مرتبة. 

في كثير من الأحيان يصعب أو يغيب عن المرء المحاكاة بين وضعه الاجتماعي أو انتمائه الثقافي والديني وبين من يراهم مؤثرين من موقع قيادي في المجتمع أو منصب إداري في العمل أو زعيم ديني، فيطبّق جميع الممارسات التي ينتقدها في الأشخاص أصحاب التأثير، فينفذ شتّى السياسات الإنتهاكية كازدراء دين أو ثقافة من هو دونه، أو تعطيل معاملات ومستحقات مرؤوسه، أو التعدي على خصوصياتهم وحاجياتهم الشخصية، أو قمع آرائهم وقراراتهم. 

كل شخص بحاجة لوقفة يتبادل فيها دوره وموقعه الاجتماعي أو الوظيفي أو الثقافي أو الديني مع الآخر سواء اتفق أو اختلف معه، ويرى من تلك الزاوية ما يتعرض له من انتهاكات، ليعيد موضعة نفسه وقمع الأنا المتعظمة الداخلية ليرتقي بإنسانيته ويتواضع فيرى الآخر المختلف عقائدياً وثقافياً “نظيراً له في الخلق”. 

بقلم: م. صبا العصفور

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *