ما الذي يملؤك؟
منذ سنوات مضت، ذهبت لتقديم تعزية في وفاة والدة إحدى الصديقات ، وفي خضم الأجواء الحزينة، السائدة في ذلك المكان ، كانت تعلو صيحات إحدى بنات الفقيدة بالذكر السيئ لإحدى قريباتهم التي كانت على غير وفاق مع الأم المتوفاة رحمة الله عليها، وبصوت عال تتبعها صرخات ، كانت تقول: أمي قالت لنا٠٠٠٠٠ ، أمي خبرتنا٠٠٠٠٠، وكان حديثها عن تلك القريبة، فأخذت تردد: نحن نعرف كل شيء حول ما فعلته لوالدتنا، وهي السبب في وفاتها، صمت الجميع، وخيّم الهدوء على المكان، وظهرت علامات التعجب على من كان حاضرًا.
بعد عودتي للمنزل، أخذت أفكر، وأتساءل: لماذا كان هذا حاضرًا في ذهن الفتاة في هذا الوقت بالذات؟ خاصةً أنّ الوضع غير مناسب لبث هذه الشكوى! وكيف كانت مسيرة هذه الأم رحمة الله عليها مع بناتها؟ وهل لها دور في هذا الشحن الذي تغلغل في قلوب من سمعنّها من أخواتها ولم يحركنّ ساكنا، بل كانت تمتماتهمن تدل على القبول؟ وما هو دوري أنا كأم في زرع أفكار كهذه، ونموها في أبنائي؟
كثيرة هي الآلام والتحديات، التي نواجهها كمربين في هذه الحياة، والتي علينا حينها الانتباه للطريقة التي نرى، ونفكر بها، ونتعامل مع هذه الآلام والتحديات، وأهمية إعادة النظر في طريقة تعاملنا، ونظرتنا لها، قبل فوات الأوان، فنحن كآباء إذا لم نصلح حاضرنا الذي نعيشه، ونعالج مشاكلنا وتحدياتنا، وطباعنا أيضًا، فنحن بذلك نكتب على أبنائنا إعادة ذلك الحاضر الذي لم نصلحه، كما نساهم بتحويل حياتهم إلى مزيد من الأزمات.
فمراقبتنا لأنفسنا، تقويمها، وتطويرها، تؤثر على مجريات حياتنا، وحياة أبنائنا في المستقبل ، فهناك من التحديات التي قد أتعرض لها كأم، مع بعض الأقارب أو المحيطين مثلاً، يتوجب عليّ حينها عدم إقحام أبنائي فيها، ونقل مشاعري السلبية تجاهها، فما نعتبره مشاركة منّا لأبنائنا وتعريفهم بمشاكلنا أحيانًا، يمثّل أزمة لهم، ومرض لقلوبهم في المستقبل، ولذا يتوجب علينا تعليمهم التعامل الصحيح مع الأحداث والأفراد، و إدراكنا بأنهم أوعية وعلينا مسؤولية ملؤها بالحسن والطيب، عوضا عن تحميلهم حمولة ثقيلة فاسدة.
فما ملأ بني آدم وعاء شر من ٠٠٠٠٠٠٠٠) ٠
بقلم أ. نجاح إسماعيل
استجابات