الشجرةُ التي لمْ تُقتلَع
بينما كنت أتصفح هاتفي ذات مساء، وصلني مقطع مصوّر لطفل يحاول اقتلاع شجرة صغيرة، لكنه يفشل مرارًا. اقترب والده بهدوء وقال: ” يا بني، إذا أردت اقتلاعها، عليك أن تبدأ بالجذور.” أثارت هذه العبارة تفكيرًا عميقًا في نفسي، فكم مِنْ مرةٍ حاولنا تغيير حياتنا، لكننا ظللنا مع محاولة إصلاح الفروع بدلًا من معالجة الجذوركحال هذا الطفل؟
نقفُ أحيانًا عاجزين أمام عاداتنا القديمة أو مشكلاتنا المتكررة، لأننا ببساطة لا نصل إلى مصدرها الحقيقي.
وفي حياتنا اليومية نجد العديد من الأمثلة على ذلك، كالشخص الذي يسعى لخسارة وزنه، فيتبع حمية تلو الأخرى دون أن يدرك أن مشكلته ليست فقط في الطعام، بل قد تكون في طريقة تعامله مع التوتر، حيثُ يلجأ للطعام كوسيلة للتخفيف من الضغط النفسي، أو الأم التي تجد نفسها غارقة في دوامة الإجهاد والإنهاك بسبب محاولتها تلبية توقعات جميع من حولها، لكنها لمْ تتوقف لتسأل نفسها: لماذا عليّ دائمًا أن أكون مثالية؟ ربما تعود هذه الحاجة إلى سنوات الطفولة، حيث ارتبطت قيمتها في نظر الآخرين بمدى كمالها وإرضائها للآخرين.
وفي العمل أيضًا، نجد مَنْ يغيّر وظيفته باستمرار بحثًا عن بيئة أفضل، دون أن يدرك أن المشكلة ليست في الوظيفة، بل في خوفه من الفشل أو شعوره بعدم الكفاءة، وهو شعور متأصل بسبب تجارب سابقة لم يعالجها. هذه الأمثلة وغيرها تعكس جميعها حقيقة واحدة: محاولات التغيير السطحي لن تنجحَ ما لمْ نتعمقْ في فهم الأسباب الجذرية.
لذلك يتطلب التغيير الحقيقي شجاعة وإقدامًا للتوقف والتمعّن ، في البحث عن الإجابات في الداخل.
وجديرٌ بالذكر أنّ دراسة أجرتها مجلة Journal of Positive Psychology أظهرت أنّ 78% من الأشخاص الذين استثمروا في تطوير وعيهم الذاتي شعروا بتحسن في قدرتهم على اتخاذ قرارات مستدامة وتحقق توازن نفسي.
ومع حلول العام الجديد، تعتبر هذه الأيام فرصة ذهبية للتفكر بدلًا من كتابة قائمة أهداف طويلة، يمكننا أن نبدأ بالسؤال التالي: ما الذي دفعني إلى هذه العادات؟ ما المعتقدات التي أحتاج إلى تغييرها؟
لذلك تُعدُّ بداية العام فرصة جديدة، مثمرة إذا زُرعت في أرض صلبة وجذور سليمة، فحبذا لو توقفنا عن محاولاتنا السطحية لإصلاح ما عُطِبَ مِنْ حياتنا، ببحثنا عن الجذور العميقة التي تحتاج إلى الرعاية والاهتمام. حينها فقط، ستنبت شجرة حياتنا قوية ومثمرة.
بقلم:د.مينا الكاظمي
استجابات