العدالة الاجتماعية والحلقة المفقودة

في العشرين من فبراير من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، وهو يوم دولي يحث على تعزيز العدالة الاجتماعية، لأنها أساس الاستقرار الوطني والازدهار العالمي.

وفي عامنا هذا 2024 سيكون الهدف من الاحتفال بهذا اليوم هو “تعزيز التضامن العالمي وإعادة بناء الثقة في الحكومات وتحسين حياة الشعوب”.

عِلماً بأنه قد تم الإعلان عن هذا اليوم في العام 2007، وذلك لدعم الجهود المبذولة للقضاء على الفقر، وتعزيز العمالة الكاملة والعمل اللائق والمساواة بين الجنسين وتحقيق الرفاه الاجتماعي والعدالة للجميع.

 والسؤال هو؛ بعد أن مضى على إعلان هذا اليوم 17 عاماً، فهل تحقّق ولو جزء بسيط من أهداف الأعوام الماضية؟ ومن ثمّ هل ستتحقق أهداف هذا العام؟

هل سيتمكن قادة العالم من إعادة الثقة في الحكومات، وتحسين حياة الشعوب؟ أم أن الطين سيزداد بلّة، لأنهم لم يستطيعوا الوفاء بوعودهم ولم يبذلوا الجهود الكافية لتحقيقها ولم ينتقلوا من التنظير إلى التطبيق؟

والجواب واضح، ونراه عياناً على أرض الواقع، فالأوضاع العالمية ازدادت سوءًا، وتفشّى الفساد بكل أنواعه، وساد الظلم، وارتفعت نسبة البطالة، وتكرّست قيم التعصّب والكراهية..الخ.

وفي واقع الأمر فإن الشعوب لا تحتاج إلى الاحتفال بالأيام العالمية سواءً كانت يوم العدالة الاجتماعية أو اليوم العالمي للسلام، أو للبيئة، أو التسامح، وحقوق الإنسان…وغيرها، لأنهم يعلمون أن السلام لن يتحقق، والبطالة لن تختفي، والفساد لن يتوقف، والظلم لن يغيب طالما بقيت تلك الاحتفالات العالمية مجرد شعارات وتنظيرات لا أثر لها على أرض الواقع، إذ لا فائدة تُرجى من الشعارات البرّاقة إذا لم تُحدث أي تغيير أو تحسّن في أوضاع الناس طيلة تلك السنوات.

والسؤال هنا؛ ما السبب في ذلك؟ وما هي الحلقة المفقودة التي نحن بحاجة إليها لإعادة التوازن والازدهار في عالمنا المتدهور؟

إنها (الأخلاق) ..

فغياب الأخلاق هو سبب كل هذه الكوارث الإنسانية والأوضاع المعيشية المتدهورة التي يعاني منها الناس..

فالتفسّخ القيمي والانحلال الأخلاقي، وتفشّي الجشع والظلم أدّى إلى انهيار العلاقات بين المجتمعات والعلاقات ما بين الدول على حدّ سواء. وهذا مصداق لقوله تعالى:

ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ “بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ” لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الروم/41)

لذا فالعالم بحاجة إلى قادة أخلاقيين ينتشلون الناس من الهاوية، ويقودونهم ليساهموا في بناء مجتمعاتهم، ويضربوا لهم المثل الأعلى والنموذج الذي يجب أن يكون عليه الإنسان.

فالقيادة الأخلاقية هي اللبِنة الأولى لبناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية، ولها دور كبير في تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليل الفجوات بين الطبقات الاجتماعية وتعزيز المساواة.

وهنا تكمن أهمية ارتباط القيادة الأخلاقية بالعدالة الاجتماعية..

فالقيادة الأخلاقية والعدالة الاجتماعية يعملان معاً على بناء مجتمع يستند إلى القيم والأخلاق، وتوفير فرص متساوية وتحقيق العدالة للجميع.

القيادة الأخلاقية تعزّز القيم وتؤسس بيئة مجتمعية صحيّة تقوم على الثقة والنزاهة والشفافية والمسؤولية والاحترام، والتعاون، وبناء علاقات وطيدة مع الآخرين ليعملوا معاً على تحقيق الأهداف التي ترتقي بهم وبمجتمعاتهم..

والعدالة الاجتماعية تقوم بدورها لتعزيز العدالة والمساواة بين الناس في الفرص والموارد ممّا يؤدي إلى تحسين ظروف الحياة للجميع، بغض النظر عن جنسهم أو عِرقهم، أو دينهم، أو مكانتهم المجتمعية.

لذلك فإن القادة الأخلاقيين الذين يساهمون في عمليات التغيير والتطوير فإنهم لا يحسّنون ولا يطوّرون مجتمعاتهم فحسب، بل يساهمون في إحداث فرقٍ في العالم.

بقلم : د. وجيهة البحارنة

مقالات ذات صلة

أسمـاء رجـب: (نزاعات الدول الإسلامية وانهيار السـلام المجتمعي يخدمان الآخـر)

المنامة: حمدي عبد العزيز الانخفاض في مؤشر السلام العالمي وتوسع جغرافيا النزاعات في العالم الإسلامي، دفع جمعية البحرين النسائية والمؤسسة البحرينية للمصالحة والحوار الوطني، إلى…

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *