أونلاين
أخبرتني ابنتي بأنها اطلعت على نتائج ابنها من خلال الموقع الإلكتروني لوزارة التربية والتعليم، حينها سرحت بخيالي لأتذكر اللّحظات المهيبة التي كنا نذهب للمدرسة في نهاية العام الدراسي مشيا على الأقدام لنستلم شهادات كشف درجاتنا، ويكون ذلك الحدث العظيم مصاحبا لحدث آخر بأننا نذهب بالفساتين لا مريلة الزيّ الرسمي.
في العام 2020 أثناء فترة جائحة كورونا اضطر غالبية الناس لولوج العالم الافتراضي لإنجاز معاملات البيع والشراء والإجراءات الرسمية من خلال التطبيقات والمواقع الالكترونية، ليس ذلك فحسب بل الدراسة وحضور الاجتماعات والندوات واللقاءات الأسرية وحفلات الزفاف حتى مع من يقطنون في البيوت المجاورة.
سابقا كنت دائما أكرر عبارة ” لا أحبّ التسوّق أونلاين” بحجة عدم ضمان جودة المنتج، إلى أن أجبرتني الظروف على ذلك، لأكتشف بأن الجودة بريئة من ادّعائي، فأنا أحب التواصل مع الناس والاحتكاك المباشر معهم، فهو يغذّي الجانب العاطفي والاجتماعي عندي.
الآن وبعد أن انقضت تلك الفترة العصيبة عدنا إلى حياتنا السابقة، لنتفاجأ بأنها لم تعد كالسابقة، فالانخراط في ذلك الفضاء الإلكتروني صار حتميا، ليس لتصفح المواقع والتسلية وتمضية الوقت، إنما لتسريع وتيرة العمل واختصار الزمن والجهد المبذولين في زحمة الطرقات أو الوقوف في الطوابير.
لكن على الجانب الآخر، بتُّ أفتقد تحيّة البائع في البقالة وزجرة الحارس أمام البوابة وعدّ النقود عند جهاز الصرّاف الآلي و(كاشير) البنك، ولأسباب صحية لم أعد أشتري قناني المياه من الباعة الجائلين قرب إشارات المرور، افتقدت تلك الحميمية في التعامل، ورؤية تعابير الوجه المباشرة لردود الأفعال كالابتسامة العفوية والدمعة الحزينة والضحكة الصادقة وحتى المتكلفة، لتكشف لنا جمال الأحاسيس وأهمية الروابط الاجتماعية.
حقيقةًأصابتني انتفاضة لأتمرد على العديد من الممارسات الإلكترونية الجديدة، فأعددت قائمة بالمهام التي يمكنني القيام بها حضوريا وأخرى لا بدّ وأن تكون إلكترونية.
لا شك بأن التعامل في العالم الافتراضي صار حتميا، ولكن في المقابل لا بدّ من الحذر من الإفراط فيه والإدمان عليه، كي لا نفقد جانبنا الإنساني لنتحول إلى كائن جديد يمتاز بالذكاء الإلكتروني في مقابل الغباء الاجتماعي.
بقلم : م.صبا العصفور
استجابات