ليتني كنت أعلم

قصة 1

تم استدعاء ولي أمر أحد طلاب الثانوية بسبب قيامه بكتابة تعليقات غير لائقة على حائط المدرسة، وبوجه خجول ودون أدنى تعليق اتصل الأب مباشرة بمتعهد الصيانة لصباغة الحائط المدرسي على حسابه الخاص، ثم اعتذر إلى المدير والتفت إلى ابنه قائلا: يا بنيَّ أنا لم أطلب منك أن ترفع رأسي ولكن أرجوك لا تخذلني.

قصة 2

في إحدى الدول التي تعاني من الانفلات الأمني، سلك صبي مراهق طريق الإدمان، واتفق مع عصابة في الحي على تمثيل عملية اختطافه كي ينال فدية مالية من أهله، معتقدا بأنهم يملكون ثروة كبيرة، وبالفعل تمت العملية بكل احترافية وعاد إلى أسرته سعيدا بالغنيمة، فإذا به يُفجع بموت والده بسبب التسمّم الذي أصيب به لبيعه كليته كي يجمع مبلغ الفدية.

قصة 3

في صحيفة الكترونية معنية بالجرائم، ظهرت صورة مثيرة للشفقة لمجموعة من وجهاء قبيلة معروفة يتقدمهم رجل خمسيني نصف عارٍ جاثياً على ركبتيه في وضع مذلّ أمام وجهاء قبيلة أخرى، يطلب فيها الرجل العفو عن ابنه المحكوم بالقصاص لقتله رفيقه من القبيلة الأخرى، بسبب مشاجرة متهوّرة نتج عنها جريمة راح ضحيتها شاب في مقتبل العمر وآخر محكوم بالإعدام.

عندما يفكّر الإنسان بتكوين أسرة، فأول ما يحلم به هو إنجاب أبناء صالحين، ليكونوا قيمة مضافة في المجتمع، فيبذل الأهل الغالي والنفيس وقد يصل بهم الحال للتضحية بأحلامهم وآمالهم في سبيل هؤلاء الأبناء، وهذا السعي يبقى أحلى من العسل على قلوبهم وهم يرون مراحل نموهم وتجاوز تحدياتهم وإحراز نجاحاتهم، إلّا أنه في بعض الأحيان يبلغ بالأبناء الغرور والطيش لعدم تقدير دور الأهل، والتضحيات التي يقدمونها هي حقّ خالص لهم، بل وقد يلومونهم على التقصير من غير أن يرفّ لهم جفن.

أمر الله تعالى المؤمنين بوقاية أُسرهم من عواقب أعمالهم “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا”، فقد روى لنا القرآن الكريم قصة النبي نوح ع مع ابنه عندما خشي عليه من الغرق “وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ”، فرفض الابن العاق الدعوة “قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء”، ولم ييأس الأب “وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ” ثم يأتي الردّ الإلهي ليختم الموقف “قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ”.

فدائماً ما يغفر الآباء زلاّت أبنائهم ومنحهم الفرصة تلوّ الأخرى للتـصحيح والعودة للاستقامة وربما الرضا منهم بالكفّ عن الأذى فقط، من غير أن يُظهروا مقدار ألم الخذلان الذي يعتصر قلوبهم، ولا يدرك الأبناء ذلك إلا حين يُرزقوا هم أنفسهم بالأبناء، عندها يقول لسان حالهم: ليتني كنت أعلم!

بقلم:م.صبا العصفور

مقالات ذات صلة

شُكراً أبي

لفت نظري عدد التسجيلات والنكات والقصص التي تتحدث عن الآباء وطريقتهم (الدفشة) أحياناً في التعامل مع الأبناء، فوجدت أنها ليست نظرة شخصية فقط، بل وأصبحت…

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *