مهرها غالي
وصلتني دعوة للمشاركة في ندوة للإرشاد الأسري تقدمها إحدى الاستشاريات المتميزات، وعند قراءتي لاسمها تذكرت موقفا قديما مع والدتها، فقبل حوالي ثلاثين سنة التقيت بالأم وكانت بصحبتها تلك الاستشارية في أحد المحال التجارية ولم يتجاوز عمرها آنذاك الخمس سنين، وبادر صاحب المحل ليداعب الفتاة الصغيرة موجها كلامه للأم، وكان الحوار التالي
التاجر: هل تزوجين ابنتك الجميلة من ابني؟
الأم بابتسامة: وهل تقدر على مهرها؟
التاجر متحمسا: نعم بإذن الله، فالغالي يرخص لجمالها، لك الأمر وعلينا التنفيذ.
الأم: مهرها حج بيت الله ونسخة من المصحف الشريف.
فتح التاجر عينيه مذهولا ولسانه عاجز عن الرد.
الأم: عليه أن يعاهدها عند البيت الشريف بأن يكون خُلقه القرآن، فمن يستطيع تقديم هذا المهر الغالي؟
لا يهمنا بقية الحوار هنا، فتلك الفتاة الصغيرة صارت استشارية كبيرة، ويلجأ إليها القاصي والداني للأخذ بمشورتها، وبحسب معلوماتي عنها فهي تعيش حياة أسرية مستقرّة ومتزوجة من رجل فاضل يشهد له الجميع بحسن الخلق إضافة إلى نجاحه في عمله.
ومن معرفتي بأهل الفتاة، بالطبع لم تكن موافقتهم على زواج ابنتهم من ذلك الرجل اعتباطا، بل نتيجة اختيار حريص وفق معايير دقيقة تتوافق مع استقامة الحياة بشكل عام والزوجية بشكل خاص، كما ورد عن رسولنا الكريم ص: ” إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”، فالمعيار هو الدين والخُلق، وليس بالمعنى السطحي بكثرة الصلوات وترديد الأذكار وزيارة الأماكن المقدّسة، بل من يخاف الله ويتقّه في معاملاته مع الناس، ومَنْ يبرّ والديه وأخوته، ومَنْ هو دمثٌ مع أصحابه، ويحترم مخالفيه، ويسعى جاهدا في تحصيل العلم والعمل بما يستطيع.
كم من أمٍ استطاعت تربية ابنتها على أن كرامتها وقيمتها بجمال سريرتها لا وجهها، وحُسن زينتها بحسن خُلُقها، وكم من أبٍ استطاع زرع احترام ابنته لذاتها كامنٌ باحترام أنوثتها وسلوكها!
فالبنت التي تجد قيمتها كبيرة وقدرها عالٍ في أسرتها، لن يكون هدفها الارتباط بزوج يقدرها بالمهر والشبكة بقدر إنسانيتها وكرامتها ودورها المنزلي وأدائها المهني وطموحها المستقبلي، فيراها “الكلّ” في العائلة والمجتمع وليس “الجزء” بما يتوافق مع رغباته فقط.
“ابنتي مهرها غالي” بمعناها القيمي الحقيقي لا الزائف الذي يصوره لنا الإعلام وتعرضه لنا الأفلام والمسلسلات.
بقلم : م. صبا العصفور
استجابات