الأسرة مرساة أم قيد؟
“لماذا العشاء/الغداء العائلي كل يوم؟” يقولها مراهق متنهّداً منهمكاً بهاتفه!
فتردّ عليه أمه بهدوء: “لأنها فرصة لنتواصل، لنتبادل أحداث يومنا، ولنكون معاً، حتى عندما يكون العالم من حولنا فوضى عارمة.”
هذا المقطع من الحوار يعكس التحدي الذي يواجه الآباء مع أبنائهم في عصر يتسم بالتغير السريع والتحديات غير المسبوقة. فهل الأسرة تمنح الأبناء إحساساً بالأمان، وهو جل ما يحتاجه الإنسان في عالمنا المُعَولَم! ويا تُرى هل الأسرة رباط محبة يشدّنا إلى مرساة الألفة، أم قيد يثقل خطواتنا؟ فبين الحنان والقيود… أي وجه للأسرة يغلب؟!
لقد اقتحمت العولمة مجتمعاتنا من خلال الإنترنت، ومع اكتساح التكنولوجيا لحياتنا وتفشي وسائل التواصل الاجتماعي، تغيّر نمط حياتنا وتأثرنا بمفاهيم تسللت إلينا بهدوء. فعلى سبيل المثال، ثقافة الفردية(Individualism) التي تركز على الطموحات الشخصية والاعتماد على الذات انتشرت كبديل للأطر الجماعية التقليدية(Collectivism) التي تركز على احتياجات الأسرة والمجتمع وتشجع أفرادها على التعاون المتبادل. ولكل نمط ايجابياته وسلبياته، لكن إذا أوجدنا توازناً معتدلاً بينهما –بحيث يكون التركيز على نماء الأفراد (كلٌّ بحسب مقدراته) في إطار أُسر متماسكة، لا متسلطة– كان ذلك أساساً لصحة العلاقات الأسرية. أما إذا اختلّ هذا التوازن، فإنه يؤدي إلى توتر العلاقات. فالأسرة رباط لا قيد، وهناك فرق كبير بينهما؛ إذ الرباط يُستعمل للتثبيت والدعم وربط الأشياء ببعضها، وغالباً ما يكون مصنوعاً من مادة مرنة، بينما القيد يُستعمل للتقييد، وعادةً ما يكون من مادة صلبة أو معدنية… وشتان ما بينهما!
يلعب الوالدان دوراً جوهرياً في التربية وتعزيز الروابط الأسرية؛ فوجودهما المستمر، وتوجيههما الواعي للأبناء، وإحاطتهما بالحب والحنان، يضع حجر الأساس لتنمية الفرد العاطفية والاجتماعية والأخلاقية. وبحسب البحث الذي أجراه عالم النفس جون باولبي، الأطفال الذين يشعرون بالأمان مع والديهم يتمتعون بمهارات شخصية وأداء أكاديمي أفضل. كما أوضحت دراسة تحليلية موسعة أجراها بينكوارت وجيرشوف، أن العلاقة الإيجابية بين الوالدين والأبناء تقلل من المشاكل السلوكية للأطفال والمراهقين.
ولكي تكون أسرنا مرساة تمنح الأمان لأبنائنا ورباطا يربطهم بمرونة، لا قيداً يعيق انطلاقهم، يحتاج الوالدان إلى التفكير بعمق في حاجات أبنائهم المعنوية، بالتوازي مع حاجاتهم المادية. فهل يحتاج الأبناء إلى قيود ورقابة مستمرة؟ أم أنهم بحاجة إلى قوانين مرنة، وإلى قضاء أوقات ممتعة، وخلق ذكريات سعيدة تجعلهم يشتاقون إلى لحظة عودة الوالدين إلى المنزل، ليجتمعوا معهم حول مائدة الوجبة اليومية بكل شوق، ويشاركوا في إعدادها؟
بقلم:أ.سعاد الزيرة
استجابات